صوت الألمانيّ الشِّعري الأصفى: فريدريش هلدرين

(ثقافات)

 

* أنس العوري

“يمكنني بلا ريبٍ أن أقولَ إنّ أبّولو صعقني”

هذه العبارةُ التي هي أشبهُ بالصّرخةِ قالها الشّاعرُ بعدَ ترحالٍ طويلٍ بينَ فرنسا واليونان وألمانيا استدلالًا لعلاقتِه مع إلهِ الشّعر عندَ اليونان “أبولو” ومع الحضارةِ اليونانيّةِ بالمجملِ، كذلك، تجرِبته  مع الشِّعر والشِّعري.

 الألماني “فريدريش هلدرين”، الذي يُعد أحدَ كبارِ الشعراءِ الألمان. فهو يقفُ إلى جانبِ غوته، نوفاليس، ريلكه، تراكل. كان الصّوت الألماني الشعريّ الأصفى.

حسبَ نقّاد شعرِه، تقسم حياته. إلى قسمين:

ما قبلَ إصابتِه بما يُعرَف في الأدبيّات الهلدرينية ب”الجنون” وما بعدها.

من الوقائعِ الفارقةِ في حياته، حينما استبدّ به الحبّ.

كان لهذا الحبّ جموحٌ أنّى له من وصف، ليس كما عرفنا، عثر من خلاله على الأقصى، ولم يتمكّن مِن ردّ تأثيرِه القويّ في مسيرةِ حياتِه. جمالُ هذه المعشوقةِ جسّد مثالَ الجمال اليوناني، فمدى تأثّره بهبّات اليونان كبيرٌ وجليّ، يستشفه القارئ والمتتبع لأشعاره.

بعدَ فقدانِ معشوقتِه جرّاء الموتِ قال فيها: “المثال لايمكن أن يعيشَ على الأرضِ”.

شرع بكتابةِ روايةِ “أمبيدوقل” ليتخفّف من ألمِ الفراقِ، الذي خلّف ندوبًا كثيرة داخله، أعاد كتابتَها مرّتين دون إكمالها.

عاش حياةً زاخرةً بالصِّعاب والتّرحال، كانَ لها أثرٌ كبيرٌ على صحّته وعلى أشعاره. أسّس مجلة “إيدونا” آملاً بالحصول على استقلال مادي، لكن المشروعَ لم يكتمل. كتب مجموعةّ من الدراسات في علم الجمال والفلسفة.

كتب الأغاني والمراثي، هنا، أصبح معروفاً، إلا  أن أحواله تردّت وأهمُّها المادي. طاقتُه الجسديّة والفكريّة أنهكت.

صادقٌ بعضُ الفلاسفةِ الكبارِ، منهم”هيجل، شيلينج”. كذلك، تعرّف على أصواتٍ شعريّةٍ كبيرةٍ وأسّس بالاشتراكِ معَهم “عصبة الشعراء”.

تبحّر في قراءاته الفلسفيّة، قرأ ل” كانط، روسو، أفلاطون”، إلى جانب دراسته في علم اللاهوت.

اعتبره “نيتشه” شاعرَه المفضّل وكتب عنه. لكن، الفضل الأكبر بعلوّ مكانتِع يعود للفيلسوف “هيدجر”، عندما انكبّ على قراءةِ أشعارِه في محاضراتِه الجامعية التي يلقيها على طلبته، وذلك كان أوّل مرة في عامي 1934 و 1935. كانت البداية بقراءة قصيدة “جرمانيا”، وتتابعت بقصائد أخرى.

بهذه القراءات الفلسفية انتقل ليكون أحدَ أعلام الشعر الألماني.

لقبه “هيدجر” ب”شاعر الشعراء”، وأيضاً أضاف ورفعه حينما قال:

“هذا الشاعر الذي يتعلق به مستقبل الألمانيين”.

في مرحلته الأخيرة، مرحلة “الجنون”، تفاقمت حالته العصبية، اضطُر للإقامة في مصحة عقلية بعد فحوص الأطباء.

في مصحة توبنغن تردّت حالتُه العصبيّة، فصدرت وصاية عليه ليتمّ نقله إلى منزلٍ  أشبهَ بقلعة، في غرفة معزولة بأحد الطوابق. مضى فترات طويلة جدّاً من الصّمت، كتب قصائدَ قصيرةً، التي باتت معروفةً ب “قصائد الجنون”. قصائد متحرّرة من قواعد الشّعر الكلاسيكيّ، بعضها ذيلت بأسماء مستعارة وتواريخ ماضية ولاحقة حتى وفاته.

تُرجمت مختارات موسّعة مِن شعره للعربيّة عن طريق الشاعر “فؤاد رفقة”، وكانت مباشرة دون لغة وسيطة.

أيضاً، ترجمة أخرى ل “حسن حلمي”، “فريدريش هلدرين، مختارات شعرية”

 الترجمتين، علامة كبرى تستحق الإحتفاء من جميعِ القرّاء العرب.

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *