ابن جلَّا – قصة

*حسان الجودي

رفضت بعض خلايا الدماغ المشاركة في عملية التفكير التي همَّ بها ابن جلاّ .فقد فاحت رائحتها الزنخة داخل جمجمته . جمّعت نفسها في زاوية مهملة، ثم تكوّرت كرة صغيرة مرنة ، وتدحرجت في أنحاء الجسد. وصلت أولاً إلى الغدّة الدرقية التي تتموضع في الرقبة، واكتشفت أن جسد ابن جلاّ يشكو من نقص اليود . فلم يعجبها المكوث هناك. نزلت بعدها إلى الرئة اليمنى، فوجدت غابات القطران مستفحلة فيها، وفي الرئة اليسرى أيضاً. هربتْ بسرعة وتدحرجت نحو القلب الضخم لابن جلاّ. لكنها اكتشفت أنه يعاني من تضيق في الصمام الأبهر، كما لديه الكثير من المناطق المتموّتة.

-ما رأيكِ بالقدوم إلي؟

سمعت الكرة الكبد يدعوها بحرارة إلى زيارته. فأسرعت إليه. لكنه كان أيضاً كبداً دهنياً مريضاً.
تفقدت الكرة بعدها الكليتين، فكانتا مريضتين بالكييسات. وتفقدت الطحال ، فلم تجده، كان ابن جلاّ قد فقد الطحال إثر حادث مروري تعرض له وهو يقود النسيج لصناعة الأكفان.
بدأت تشعر الكرة بالتوتر الشديد. لم تجرؤ على الاقتراب من المعدة، التي كان حمضها يفور وهو يحاول هضم ربع مدينة، تناولها ابن جلاّ على وجبة الغداء.

كانت الاحوال مأساوية في ذلك الجسد الخمسيني ، فالأمعاء الدقيقة مثقوبة، والغليظة مصابة بالتقرحات ، وكانت النواسير والبواسير تسد فتحة الشرج الواسعة.

اتخذت الكرة قرارها النهائي بسرعة، وعادت إلى مكانها في دماغ ابن جلاّ الذي كان يهمّ بالتفكير. فانتبهت حينها إلى أنها هي بالذات ذات قوام اسفنجي فعرفت أن الزهايمر غزاها مبكراً، وأن أعوام ابن جلا باتت معدودة.

لكنها ذهلت كثيراً، حين عرفت ما هي عملية التفكير التي بدأها للتو ابن جلا . لقد كان يخطط لاستيراد معمل مستدام لنطافه ، يضعه بين ساقيه.

سرعان ما فطنت إلى أمر آخر، فأسرعت تقرع على الجمجمة . وهي تصرخ:
-لماذا لا تقوم بشراء أعضاء جديدة شابة لك ، بدلاً عن معمل النطاف؟
سمعت الكرة حينها قهقهة صاحبها الذي أخبرها أن تعاين فوراً أحد كروموسوماته.
نفذت الكرة رغبته، ووقفت قرب كروموسوم تتأمله. كان [1](Telomere) الموجود في طرفه طويلاً جداً، بلغ حوالي عشرة أمتار. فعرفت حينها أن ابن جلاّ من الخالدين ، الدهرَ، واللغةَ، والمنابرَ العالية، والمصاطبَ الواطئة.

[1] الجسيم الطرفي، يقع في نهاية DNA وهو مسؤول عن انقسام الخلايا وتجددها.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *