جوليا كريستيفا

الزواج : سجال بين جوليا كريستيفا وفيليب سوليرز (الحلقة 1)

 ترجمة: سعيد بوخليط

تقديم :

*فيليب سوليرز :

مغامرة؛

لم أرغب قط في الزواج إلا مرة واحدة.

سوى مرة واحدة وإلى الأبد.

تستحق في اعتقادي ،أن تروى بتفصيل هذه المغامرة المتميزة،الهائمة جدا.

لكن لماذا اختيار عنوان بهذه الصيغة للكتاب :”الزواج باعتباره إحدى الفنون الجميلة”؟عبارة تذكرنا،على نحو ساخر،بتلك الواردة عند توماس دي كوينسي: ”القتل كواحد من الفنون الجميلة”،وأيضا لدى ميشيل ليريس : “الأدب باعتباره صراعا مع الثيران”.

في غالب الأحيان،يعكس الزواج نزاعا يمثل أحد طرفيه ضحية.نتزوج بعد تقديرات حسابية أو انقياد خلف انخداع،يستهلك الزمان هذا العقد الهش على مستوى الوضع الطبيعي،ثم ننطلق،نتزوج ثانية،أو نستكين إلى إطار خيبة مشتركة.

لاشيء غير هذه المعادلة :يحتفظ الاثنان، بكيفية متساوية،على شخصيتهما الخلاقة، بأن يتبادلا تحفيزا مشتركا على نحو دائم.يتعلق الأمر إذن،بفن جديد للعشق،لايستسيغه جيدا،  المجتمع المتحلِّل والمهووس بالنظام.

الزواج باعتباره انتقادا مجتمعيا وتمجيدا شعريا للحرية،ضد مختلف أشكال الظلامية؟

فلنحاول.

*جوليا كريستيفا :

التوفيق بين تناقضاتنا؛

دون الانتقال إلى التفاصيل،يذكِّرنا عنوان هذا العمل المشترك :”الزواج باعتباره إحدى الفنون الجميلة”بعنوان سابق لتوماس دي كوينسي (1827- 1854) :”القتل كواحد من الفنون الجميلة”،كما نستحضر معه صيغة ميشيل ليريس :”الأدب باعتباره صراعا مع الثيران”.

لكنكم، ستتداركون المسألة،مستفسرين عن العلاقة المطروحة بين الزواج والجريمة، ومصارعة الثيران ثم الأدب؟من الوهلة الأولى،ليس بالمعطى المهم.بالتالي،هل سينزع سعينا نحو التهكم من مؤسسة الزواج القديمة جدا،والتي يفترض فيها أنها تعمل على تأمين الجنسانية بالنسبة للجميع أو تجميل حياة بين طرفين؟الإقرار  بالمواثيق؟

ليس صحيحا.تتمثل محاولتنا بالأحرى في الإدلاء بكل الأقاويل عن شغف،تحديدا دون خجل وجبن،أو تحريف لما يقع ولا كذا تزيين للماثل،مع التخلص من التباهي الاستعراضي بالهواجس العاطفية،الاستيهامات الايروسية التي ينغمس فيها منذ البداية  الخيال الذاتي”سيلفي”. أيضا،سنتحاشى المغالاة وكذا  الابتذال القوطي الذي يخفي الألم الصامت.

مع ذلك،حينما لايدخر الشغف جزعا ولاعداوة، فلا يتجنب في ذات الوقت سواء الزخم الحاد (فن مصارعة الثيران)، وكذا لذة الرغبة في الموت (اغتيال،انتحار).هل يمكن للزواج أن يشكل مجالا لهذه الخيمياء؟ يكمن الجواب في نعم وفق حيثيات معينة.

*حظ وحريات

ماهي الحظوظ المحتملة  لإمكانية حدوث لقاء في باريس سنة 1966 ،بين جوليا (المولودة سنة 1941،في مدينة سليفين البلغارية) مع فيليب (المولود سنة 1936في مدينة بوردو الفرنسية)حيث تعيد نصوص رواياتهما الكشف عن خصوصيات تميِّزهما غير قابلة للقياس؟أن يعشق أحدهما الثاني،قبل وبعد ماي 1968؟ثم أن يظل زواجهما منذ 1967 غاية الآن؟حظوظ قليلة،يقتضي حساب الاحتمالات سلسلة فلكية لأرقام بعد الصفر.

مع ذلك ”تبلور هذا”. جرت فعلا مراسيم الزواج في دار البلدية؛وإن أتيح له الاستمرار،بكيفية مطلقة ومتوقدة،فلأنه لم يمتثل قط لأي قاعدة أخرى غير قاعدته :تسوية دائمة،عاشقة وواعية،تغذيها حريتان متقابلتان غير قابلتين للمقارنة.

جوليا :أكثر حنكة وتكتما،انحدارها السلالي البيزنطي،اغترابها في المنفى هروبا من الشيوعية،ثم فرويد الذي شغل رأسها خارج دوامة الاعتقاد وكذا المعرفة الشمولية.

فيليب :أكثر دهاء وانفتاحا، جميلا،ينتسب إلى الجيرونديين وشبيها بكائن من مدينة البندقية، جذابا، فوضويا، مهرِّبا شرعيا لحياة روحية في إطار تفوق للغة الفرنسية،يبثه عبر مجالات  الأدب والسياسة.

ضمن هذا النطاق وليس بعيدا عنه: لن نترقب إيحاءات قوية حول حياة أو أعمال  الطرفين معا،بل استكشاف مسارين انسجما،ثم تفرعا واكتملا وهما يرسمان المكان،الفضاء المحدد والثمين المتمثِّل في زواجهما.التوافق، البناء، التقويض، إعادة البناء باستمرار منذ اللحظة التي نتبيَّن خلالها حتمية العيش المشترك.مجال حيوي مثل جهاز عضوي،أجزاء كاملة لكل طرف فيما يخص حريته حيال الثاني تحتضر،اغتيلت أو انتحرت،بينما تولد ثانية أخرى نتيجة انبثاقات أخرى طارئة، مفاجئة،خجولة ،في خضم حركة لاتشبع من البدء ثانية.

*المكان حيث يلزمنا أن نكون :

ستقتربون من هذا المكان عبر حوارات.تشكِّل موادها الجوهرية أقوال، تأملات، تساؤلات، مواقف وضحكات،غير قابلة للاستئصال فيما يتعلق بهوية كل واحد منا.إنها تشارك هذا التعايش الثنائي،ثم الثلاثي مع ولادة ابننا دافيد مما أدى بسبب عامل الأبوة إلى توسيع مجال الزواج غير الحصين.

صدقا،لايوجد معنى ثان ممكن للزواج سوى صيغة المفرد.غير مطروح الهذيان الرومانسي ل”صعقة الحب”العابرة، إلا إذا استوعبها إطار خارج الزمان والعالم؛ولاسمو  الثنائي”المنصهر” الذي يعزف معا على إيقاع صوت واحد.ليس الأمر كذلك،إنه زاوج تفرُّدين يستند بشكل أقل على القاعدة الصادر عنها،قياسا إلى يقين راسخ يصمد أمام الاختبارات كما يفعل مع المسرَّات التي لايفتقدها مع ذلك،بالتالي: قناعة”المكان حيث يلزمنا أن نكون”(1).

أصبح ”اسم” الزواج- في إطار زمن الحياتين- هذا الواقع الذي خلقنا من جديد،خلال “كل لحظة معلَّقة مثل معروف وكذا تهديد لامرئي،مثل جوهر يغذي كل شيء ويغمره دون أن يختلط به”.لايمتص ألم التنازلات، التضحيات، الميتات،ولادات جديدة عابرة داخله أو خارجه؛ لايتجاهل ردود أفعالنا الحيوانية،البهيمية وكذا اندفاعات جنونية،سقطاتنا،الأمراض والعلاجات،ولاموتنا المؤكد.داخله ومعه تمرر مختلف هذه الاضطرابات المشعل إلى علاقة ذات سيادة،الإمكانية الوحيدة ،التي تجعلني جراء وضوحها،هنا حيث ينبغي لي أن أكون.

*رجل، امرأة : هذا يتكلم

ما اللغة؟تلك اللغات المتاحة لنا كي نتعلمها،نروِّضها،ونكيِّفها.كي نجعل حقا من معطى تنافرنا أكثر من كونه مجرد حماية :مكان/منبع. يطيل أمد،بقاء كائنين منفصلين  سويا،شخصين غير ساذجين فيما يتعلق بالحرب والسلم بين الأجناس. لكنهما يحاولان التفكير فيها،كل واحد بمنتهى جسده،أليس هذا جنونا؟تطلعا نحو الحياة،ومنحها ثم جعل نهايتها محتملة.إنهما يرفضان السماح ل”موت الجنسين كل واحد من جهته”(مثلما ارتاب تكهّن  أوغست دو فيليي دو ليل-أدم  بجانب مارسيل بروست).

تردِّد الصفحات القادمة للكتاب المخاوف الراهنة حيال الزواج.دون انخداع بخصوص انصهار مستبعد لطرفين بين طيات جسد،ولا الإيحاء بحلٍّ سعيد لمثالية مخفقة فيما يتعلق ب”العيش المشترك”ل ”التعددية”.

يجدر بكم ببساطة وطموح،اقتحام تجربة الزواج باعتباره من الفنون الجميلة.

(1) يشرح سوليرز هذه العبارة لستيفان مالارميه،في تقديم لروايته المعنونة ب :”عزلة  فضولية”،سوي(1958).

*المصدر :

جوليا كريستيفا / فيليب سوليرز : الزواج كواحد من الفنون الجميلة، فايار،2015 .

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *