*زياد احمد سلامة
شاهدنا في بعض أعمال الدكتور “وليد سيف” الدرامية وجود جماعات “شعبية” تتولى القيام بأعمال هي في الأصل من مهمات السلطة الحاكمة أو القبيلة مثل رعاية شؤون الناس ومراقبة الموازين والأسعار في الأسواق وتحصيل حقوق الضعفاء والمستضعفين، وحتى محاربة الأعداء ومجاهدتهم، رأيناهم أول الأمر في مسلسل (عروة بن الورد / أمير الصعاليك 1978) و(الصعود إلى القمة 1985) و(ربيع قرطبة 2003) و(التغريبة الفلسطينية 2004) و(عمر 2012) وكان ظهورهم في مسلسل (صلاح الدين الأيوبي 2001) تحت مسمى “الأحداث” أشد وضوحا. فما حكاية أولئك الفتوة أو الأحداث؟!
من هم الأحداث؟
أورد الدكتور شاكر مصطفى في كتابه “في التاريخ الشامي” فصلا عن هؤلاء الأحداث فقال بأنهم قوى محلية شعبية لا يُعرف تكوينها الأول، نشأت مع ظروف الشام في العهد العباسي أرادت أن تعبر بشكل أو بآخر عن رفضها للقوى الخارجية الطامعة، وعن إرادتها الذاتية في إقامة حكم شعبي، وقال بأن هؤلاء الأحداث كانوا قوة محلية هامة على أسوار عدد من المدن الشامية وفي أسواقها تمتد ما بين عسقلان جنوبا حتى المدن الجزرية، آمد والموصل مروراً بدمشق وحلب.
أسماؤها وأماكن وجودها
وقد تسمَّت عدة حركات شعبية تقوم بنفس المهمة في عدد من المقاطعات الإسلامية بأسماء مختلفة مثل منظمة الفتوة، في فارس والعراق، ومجموعات العيارين وسرايا الجهاد في الثغور، وكان لفرقة الصبَّاحية من الإسماعيلية “فتوتها” الخاصة بها، وحملت جماعات منها أسماء وألقاب مثل: السفلة والأوباش والرعاع والعراة والشطار واللصوص وغير ذلك.
وذكر القاضي أبو عمرو عثمان الطرسوسي (400هـ = 1009م) أن غلمان طرسوس كانوا يُدفعون قبل بلوغ الحُلم إلى بعض الشيوخ من ثقات المقاتلة في المدينة فيقومون بجمعهم في فئات وتدريبهم التدريب العسكري حتى يبلغوا سن القتال فيلتحقوا بسرايا الجهاد والدفاع عن الثغور وكانوا يدعون بـ “الأحداث”.
ونظراً لوجود خليط من شتى المشارب بين هؤلاء، ولاختلاف تصوراتهم حول إحقاق الحق والوصول إليه، وكون وجود أُناس في هذه المجموعات خرجت عن الخط العام لمهمة “الأحداث” روَّعت الناس وتعدت عليهم ارتبط اسم هذه الفئات بالجريمة أو التدني الأخلاقي، أو الخروج على الأعراف والتقاليد، لذلك لم تكن سمعة هذه المجموعات على وجه الإجمال موضع احترام وتقدير من عامة الناس.
ومن أسمائهم أيضاً “الحرافيش”، وهو لقب أطلق على الطبقات الشعبية الوسطى، من سكان القاهرة، لا سيما أصحاب الحِرَف، ظهرت في العصرين الأيوبي والمملوكي، واستمر هذا القلب حتى نهاية الحكم العثماني، واشتهروا بجرأتهم، وشجاعتهم، وشاركوا في الحرب ضد الصليبيين، ثم انحسر دورهم العسكري، خلال عصر المماليك، وتحولوا إلى طبقة فقيرة، تعاني الفقر والبطالة، وتقطن المناطق الشعبية والازقة.
وكان بعض السلاطين يخشونهم لقوتهم وشجاعتهم، وكان ولاؤهم للسلاطين يتغير تبعاً للحالة الاقتصادية للبلاد، فإذا ساد الرخاء في البلاد أحبوا السلطان، وإذا ساد الفقر والركود في البلاد، يتشاءمون من حكمه، مثلما حدث أثناء عهد السلطان بيبرس.
أهدافها:
أدى إهمال السلطة العباسية منطقة الشام وإساءة اختيار الولاة إلى وجود ظلم وحكم متعسف قاد إلى تخريب الزروع والأبنية ومحن عسكرية قاسية جعل هؤلاء الفتيان الفقراء العاطلين الساخطين الفاقدين للعدل يفكرون في الدفاع الذاتي في وجه الانفلات الذي أدى إلى انتشار السرقات والتعدي على الأمن. وربما كان وراء بعض هذه الجماعات الشعبية قوى معينة توجههم وتسخرهم لمصالحها.
يقول الدكتور شاكر مصطفى عنهم: كان الناس يكرهون العباسيين سياسياً ولكنهم يكرهون القرامطة أكثر منهم دينياً وسياسياً على السواء كما يرفضون الروم الكفار، ولا شك أن المتطوعين للدفاع المدني الشعبي كانوا من الطبقات المسحوقة اقتصاديا، ومن الكَسَبَةِ الفقراء الذين يريدون استغلال قوتهم الجسدية في الكسب أو الجهاد، ولا شك بالمقابل أن العناصر البرجوازية في المدن وبعض “الأشراف” أيضا كانوا يحرضون ويستخدمون ويغذون هذه الجماعات بالمال والسلاح والتأييد دفاعاً عن مصالحهم المهددة بالتدمير: من عقار أو مزارع أو قوافل، عند كل عدوان عسكري خارجي.
ومن مهامهم بالإضافة لحفظ الأمن الداخلي كقوة إضافية مع الشرطة العادية أو عند غياب قوتها: الدفاع مع الجند النظامي، أو بدونه أحيانا عن المدينة بجانب حاكمها الفعلي أو ضده.
تناول الروائي نجيب محفوظ ظاهرة الفتوة في عدد من أعماله الأدبية منها “أولاد حارتنا”، “الشيطان يعظ” ثم ملحمة “الحرافيش” الصادرة عام 1977، وملحمة “الحرافيش” تتحدث أسرة “عاشور الناجي” التي توارثت «الفتونة» أباً عن جد. فهل “أحداث” وليد سيف مثل “حرافيش” نجيب محفوظ؟
“فُتًوَّات وأحداث” وليد سيف…
صعاليك عروة بن الورد: تبدأ رحلة وليد سيف مع هذه الجماعات من مسلسله “عروة بن الورد” الذي يحكي قصة الشاعر الجاهلي “عروة بن الورد” الذي ثار على المفاهيم التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي والتي تترك الفقير لفقره وجوعه، في حين يزداد الأثرياء وأصحاب الجاه قوة وغنى، فما كان منه إلا أن قام بحركة احتجاج وتصحيح لهذا الوضع، فقام بجمع عدد من هؤلاء الشبان الفقراء المهمشين، وأخذ بالإغارة على مضارب الأغنياء وأصحاب الثروات من القبائل المحيطة بقبيلته بني عبس، وكان يوزع ما يحصل عليه من غنائم هو وصعاليكه على الفقراء والمحتاجين من قومه حتى لُقِّب بـ “أمير الصعاليك”، ولكن حركته هذه لم تنجح لعوامل مختلفة منها أن الأغنياء والمتضررين من حركته قد حاربوه بقوة، ومنها أن مجموعة الصعاليك الذين عملوا تحت إمرته لم يفهموا مشروعه، وظنوه مجرد حركة للسلب والنهب، ففشل مشروعه.
فتوَّة الصحابيين أبي بصير وابي جندل: رأينا في مسلسل (عمر) مجموعة من المسلمين وبسبب صلح الحديبية الذي يمنع المسلمين من قبول أي قادم من مكة مسلماً إلا بموافقة أهله، لم يتمكنوا من الالتحاق بجماعة المسلمين في المدينة المنورة مع الرسول صلى الله عليه وسلمن منهم الصحابيان “عتبة بن أسيد بن ثقيف، وهو حليف بني زهرة، المعروف بأبي بصير، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو إذ تمكنا من الهرب والوصول للمدينة، فجاء عدد من القرشيين يطلبونهما بموجب شروط الحديبية، وتم تسليمها بناء على ذلك، ولكنهما تمكنا من الهرب ، فخرج أبو بصير إلى ساحل البحر، فسمع بهما مَنْ كان بمكة من المسلمين فلحقوا بهما حتى بلغ عددهم نحو ستين أو سبعين رجلاً وكانوا لا يظفرون برجل من قريش إلا قتلوه ولا يمر بهم أي قافلة إلا اقتطعوها حتى كتبت فيهم قريش إلى رسول الله يسألونه بأرحامهم لما آواهم فلا حاجة لنا بهم ففعل رسول الله فقدموا عليه المدينة.
فهؤلاء الصحابة كوَّنوا “جماعة” مارسوا الجهاد ضد الأعداء وهم بعيدون عن سلطان المدينة، وهو شبيه بالعمل الذي سنراه مع “الأحداث” مع صلاح الدين.
فتوة الحداد إبراهيم في الأندلس: في مسلسلي (الصعود إلى القمة) و (ربيع قرطبة) اللذين يحكيان قصة الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر في الأندلس رأينا المنصور وأحد أصدقائه (وهو إبراهيم الذي كان يعمل حداداً) وقد سُجنا ظلما على يد الصقالبة الذين هم مجموعة من العبيد والخصيان الذين كانوا يُستخدمون في القصور للخدمة والدخول على النساء، ولكن عظم شانهم فأصبحوا ذوي بطش شديد وظلم لم يسلم منه أحد، ولم تنفع توسلات العامة ورسائلهم للخليفة “المستنصر بالله الحكم”، المهم في الأمر أنه بعد فرار إبراهيم من السجن وتأخر المنصور في القضاء على الصقالبة كوَّن إبراهيم مجموعات “شعبية” لمواجهة ظلم الصقالبة والتعرض لهم، فشكلوا ثورات شعبية استطاعت بعد حين وبمساعدة من المنصور من القضاء على شرور الصقالبة.
أحداث صلاح الدين الأيوبي:
في مسلسل صلاح الدين الأيوبي رأينا بعض فتيان “الأحداث” في دمشق يمشون في الأسواق ويراقبون التزام التجار بقواعد البيع ومنع التلاعب بالميزان.
وعن الدفاع عن حقوق الضعفاء والمحرومين فقد رأيناه عندما أقدم أحدهم على منع امرأة أرملة وابنتها من حقهما في تركة أخيه في محل بسيط لبيع القماش، ولم تكن المرأتان تملكان دليلاً بحقهما في هذا الدكان تقدمانه للقضاء، فطلبتا من أحد الأحداث (الشاب مراد) أن يُحَصِّل لهما حقهما فتم لهما ذلك؛ إذ قام (الحدث) بتهديد الظالم وفضحه في السوق فارتدع عن ظلمه.
وأما عن الدفاع عن البلاد والعباد في وجه الأعداء فقد ظهر ذلك من خلال تحريض” الأحداث” عامة الناس على جهاد الصليبيين الذين كانوا يحاصرون دمشق، وبل ورأيناهم يتصرفون بصفتهم (ميليشيا مسلحة) ويتسللون خلف خطوط الأعداء المحاصِرين في غوطة دمشق فيعمدون إلى مناوشتهم وشن حرب عصابات عليهم وإزعاجهم، بل وقتل عدد منهم.
مجموعة القائد أبي صالح في التغريبة:
في مسلسل التغريبة الفلسطينية الشهير رأينا الثوار الفلسطينيين قد ألزموا الناس بترك التقاضي لقضاء دولة الانتداب البريطاني والخضوع تماماً لقضاء الثوار وأحكامهم في شتى القضايا والخلافات التي تنشأ بين الفلسطينيين حتى لو كانت خلافات عائلية بين الأزواج، وكانوا يقومون بمعاقبة المتعاونين مع سلطات الانتداب، وهنا قام الثوار بدور “الأحداث” بالقيام مقام دولة الانتداب المحتلة التي تعسفت في التحكم في الناس، فكان هذا الأمر ضرباً من المقاومة سار إلى جنب المقامة المسلحة التي ظهرت من خلال قيادة بطل المسلسل (أحمد صالح الشيخ يونس).
زياد احمد سلامة
عمان / الأردن
هاتف 0788728302
ziadaslameh@yahoo.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريف بالكاتب: زياد أحمد سلامة
زياد أحمد عبد النبي سلامة
الرقم الوطني: 9591009856
ولد في الفحيص/ الأردن؛ بتاريخ 20 جمادى الآخرة 1378هـ 1/1/1959م، يحمل بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من قسم أصول الدين في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية عام 1404/1984، عمل مدرساً للتربية الإسلامية في مدارس الكلية العلمية الإسلامية /عمان من 1985 ـ 2007م
نشر عدداً من المقالات والبحوث في بعض الصحف والمجلات، منها مجلة أفكار وهدي الإسلام وجريدة الغد والرأي والدستور والقدس العربي.
ومن مؤلفاته المنشورة:
-
الشيخ عبد الحميد السائح: حياته وفكره ومواقفه؛ مؤسسة عبد الحميد شومان؛ عمان / الأردن 1416/1996 م
-
أطفال الأنابيب بين العلم والشريعة، تقديم الأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط؛ دار البيارق؛ بيروت: لبنان 1417هـ 1996 م.
-
مع طه حسين في الشعر الجاهلي؛ دار البيارق؛ عمان؛ الأردن؛ 1419ـ 1998.
-
الشيخ حسن البنا: سيرة فكرية؛ دار البيارق؛ عمان؛ الأردن،1422 هـ 2001م.
-
قبسات من الفكر والفقه الإسلامي؛ دار البيارق؛ عمان؛ الأردن ؛1422ـ2002 تقديم الشيخ عز الدين الخطيب التميمي، قاضي القضاة السابق في الأردن سابقاً.
-
فقيه من بلاد الشام: الأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط؛ سيرة فكرية؛ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة / مصر، ودار المتقدمة؛ عمان / الأردن؛ 1428 هـ 2007 م.
-
وليد سيف: أديباً ومفكراً، نُشر بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، 1440هـ = 2019م.
-
التربية الإيمانية للأطفال: الإجابة على أسئلة الأطفال الحرجة في مجال العقيدة.
-
من أحكام الإسلام في الأوبئة والأسقام، كورنا المستجد (كوفيد-19) نموذجاً
-
امين شنار، أستاذ الجيل، وزارة الثقافة، عمان، 2020
الأبحاث والكتب المخطوطة:
-
إضاءات في الفكر والفقه الإسلامي.
-
شعراء وأدباء تحت خيمة فلسطين.
-
اللمعة في أحكام الجمعة: كتاب يتناول أحكام وآداب صلاة وخطبة الجمعة. (مخطوط).
-
الدخان: مسيرته في التاريخ وتأثيره على الصحة والحكم الشرعي فيه. (لا أنوي نشره).
-
فريسة أبي ماضي: دراسة وتعليق وتحقيق لكتاب بنفس العنوان للأديب “روكس بن زائد العزيزي”.
-
المسجد الإبراهيمي في الخليل والأطماع الصهيونية: مِنْ سَرِقَةٍ إلى سَرِقًة!
-
العودة إلى التيه: نهاية إسرائيل… مسَّادة جديدة (قراءة في وجود إسرائيل ومستقبلها).
-
العَروض.
-
عائلة فلسطينية مثقفة (دراسة عن عائلة الشيخ سعيد الكرمي وأبنائه: الشاعر عبد الكريم الكرمي وحسن الكرمي وإخوانهما).
-
من أشكال الزواج والزنا ـ قديماً وحديثاً ـ.
-
حقوق المرأة السياسية في الإسلام.
-
الإسلام والعنصرية.
-
من أحكام الإسلام في الأوبئة والأسقام، كورنا المستجد (كوفيد-19) نموذجاً
كتب وأبحاث تحت الإعداد:
إسرائيليات معاصرة: بحث في أربعة أقسام الأول: العداء للسامية، والثاني: أكذوبة الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وفيه الحديث عن الهيكل. والثالث: المحرقة؛ الهولوكست، والرابع: حقيقة بروتوكولات حكماء صهيون.
-
من قضايا المسلمين: سبتة ومليلية وأكراد تركيا، تركيا ومذابح الأرمن.
-
اليزيديون / الأزيديون: الأموي المنتظر (بحث عن الديانة اليزيدية).
-
الشخصية المحمدية…. كشف اللغز المقدس (مناقشة كتاب “الشخصية المحمدية” للشاعر معروف الرصافي).
-
“العلمانية تجتر نفسها “الإسلام وأصول الحكم: الكتاب والكاتب، بحث يناقش كتاب الشيخ علي عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم”.
-
مساجد عمان.
شارك في تأليف وإعداد وتحرير الكتب التالية:
-
مذكرات الفنان رفيق اللحام: رحلتي مع الحياة والفن، منشورات أمانة عمان الكبرى، عمان، 2011.
-
العلمانية المحافظة: النموذج الأردني في إدارة العلاقة بين الدين والدولة، وقد صدر الكتاب باسم الدكتور محمد أبو رمان عن مؤسسة فريدريش إيبرت، عمان 2011
-
صفحات من التاريخ الاجتماعي لمدينة إربد، وصدر باسم السيد توفيق قاسم حتاملة عن دار سندباد للنشر.
-
الكلية العلمية الإسلامية: صفحات من تاريخ التعليم في الأردن، بالاشتراك مع الدكتور أحمد جميل عزم. (مخطوط).