قراصنة الكتب…لصوص المعرفة

“أرحب بكم لتحميل كتبي مجانًا فإن أعجبتكم يمكنكم شراء النسخة الورقية منها، وهكذا سنخبر دور النشر أن الجشع لن ينفعها”.

هكذا خاطب البرازيلي باولو كويليو قراصنة الكتب الذين أتاحوا أعماله للتحميل المجاني عبر تحويلها إلى صيغ تصلح للقراءة الإلكترونية، ولدى كويليو قناعة بأن النشر المجاني لأعماله عبر الإنترنت زاد من توزيع نسخها الورقية بنسبة تصل إلى 20% بحسب تقديره، وهو يرى في قراصنة الكتب لصوصًا من نوع خاص لا يضر أحدًا، بل يقدمون فوائد جمة للكاتب والناشر والقراء، فإذا كان الناشر سيكسب من زيادة المبيعات الورقية، فإن ربح الكاتب يتمثل في إتاحة أعماله لأكبر عدد ممكن من القراء، وهم بدورهم يستفيدون من المتاح مجانًا، فإن أعجبه الكتاب واشتراه ورقيًا لن يندم على ثمنه.

وبهذا ارتفعت مبيعاته من 1000 كتاب سنويًا إلى أكثر من مليون كتاب، لأن هذه الكتب المجانية أعطته مزيدًا من الظهور في سوق يصعب الوصول إليه. يقول عن القرصنة، “إنهم وسام لأي كاتب يفهم أنه لا توجد مكافأة أفضل من القراءة”.

ويتحدث الكاتب الخيالي، نيل جايمان، عن القرصنة كنسخة حديثة. التوزيع الأوسع يعني جمهورًا أوسع وجمهورًا أوسع يعني المزيد من المبيعات. بعد كل شيء، فإن أكثر الكتب المقرصنة في العالم كتبها أنجح المؤلفين، مثل JK Rowling أو George RR Martin.

يعد العثور على محتوى مجاني في عالم النشر ممارسة تسبق الثورة الرقمية، حتى قبل ظهور الإنترنت. إذًا، كيف حصل هذا؟

الطريقة الأبسط والأكثر تقليدية الممكنة هي الحصول على كتاب ونسخ محتواه صفحة تلو صفحة. حتى قبل ظهور آلات التصوير، هناك حالات موثقة للكتب التي تم نسخها يدويًا أو كلمة بكلمة أو لاحقًا باستخدام آلة كاتبة.

المشكلة الرئيسية التي تواجه قطاع النشر اليوم هي أن المحتوى والمنتجات المقرصنة تخلق منافسة مباشرة.

من هو الأكثر تضررًا؟

في قطاع النشر، الأكثر تضررًا هي الكتب المدرسية أو الكتب الأكاديمية. السبب بسيط للغاية: إنه المحتوى الذي تم شراؤه بتنسيق محدد. هذا يعني أنه يتطلب من الطلاب شراء هذا الكتاب، ولا يوجد مجال للاختيار. بدون هذا المحتوى، لا يمكن للمرء أن يواصل التعليم الأكاديمي أو محتوى التدريس، ولهذا السبب تختفي أي جاذبية فيما يتعلق بالتنسيق، والمحتوى هو المهم. هناك أيضًا نقطة مهمة أخرى، وهي السعر المرتفع. هناك كتب أكاديمية متخصصة يمكن أن تصل قيمتها إلى حوالي 300 يورو. لقد تم تسليط الضوء على أهمية هذه الحالات لنا من قبل المتخصصين في هذا المجال؛ حالات مثل حالة جامعة حيث قام قاعة مكونة أكثر من 80 طالبًا بشراء 30 نسخة فقط ليتمكنوا من متابعة المنهج الأكاديمي بأكمله.

ما هو الحل الأكثر فاعلية برأينا، بخلاف معاقبة أولئك الذين يقومون بتنزيل المحتوى، أو تعزيز حملات التوعية؟ هدفنا هو أن نجعل من الصعب (أو الأفضل من المستحيل) الحصول على هذا المحتوى بشكل غير قانوني عبر الإنترنت، لذلك يستمر توفر المحتوى الشرعي ويمكن أن يزدهر.

مع سهولة العثور على نسخ غير قانونية في عالم اليوم، سنستمر في مواجهة مشكلة كبيرة، مشكلة لا يمكن أن تنمو إلا في بيئة يتزايد فيها استخدام الأجهزة الرقمية الجديدة، وزيادة الوصول إلى اتصالات الإنترنت السريعة، ووجود جيل جديد يكبر منغمسًا في العصر الرقمي.

منذ عام 2009، عندما أصبحت الكتب الإلكترونية وقرصنتها ظاهرة، وانخفاض دخل المؤلفين بنسبة 42 في المائة، وفقًا لمسح دخل نقابة المؤلفين لعام 2018، مع متوسط الدخل من الكتابة الآن منخفض جدًا – فقط 6080 دولارًا سنويًا. على النقيض من ذلك، وجد استطلاع أجرته شركة Nielsen في عام 2017 أن الأشخاص الذين اعترفوا بقراءة كتاب مقرصن في الأشهر الستة السابقة يميلون إلى أن يكونوا من الطبقة المتوسطة، والمتعلمين، والإناث وكذلك الذكور، والذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 – ولديهم دخل قدره 60.000 إلى 90.000 دولار في السنة. من الغريب أن العديد منهم، مثل الطلاب، المعجبين بالمؤلفين الذين يقرصونهم، كما لو كان توزيع نسخ من عمل شخص ما دون مقابل ماديًا إلى حد ما وإتاحته مجانًا.

قدرت دراسة Nielsen، التي أجرتها شركة Digimarc، وهي مزود لخدمات حماية حقوق النشر والعلامات التجارية، أن ناشري الكتب يخسرون 315 مليون دولار من المبيعات سنويًا بسبب القرصنة.

الأمر المثير للجنون هو قلة ما يمكننا القيام به حيال أي من هذا، أو بالأحرى، مقدار ما يمكننا القيام به، مع القليل من التأثير. يسمح القانون الأمريكي لصاحب حقوق الطبع والنشر القانوني بإرسال إشعار إزالة رسمي إلى الموقع الجاني، والذي يتجاهله عمومًا، خاصةً إذا كان يعمل خارج الولايات المتحدة. حتى في حالة امتثال الجاني، وهو أمر غير محتمل، ينتقل الكتاب ببساطة إلى عنوان URL جديد أو عنوان ويب جديد، مما يتطلب من المؤلف أو الناشر إرسال إشعار إزالة آخر.

إنه أمر مثير لأن المنصات التي تمكّن هذا السلوك، بما في ذلك Google (أرباح 2018: 31 مليار دولار)  وAmazon تقدر بـ 10مليارات دولار وFacebook تقدر بـ22 مليار دولار وeBay تقدر بـ 2 مليار دولار، هي أفضل تجهيزًا ماليًا وتقنيًا لمنع القرصنة. لكن قانون حقوق المؤلف للألفية الرقمية لعام 1998 يعفيهم تحديدًا من المسؤولية. لكن يظل Google “غير مبالٍ إلى حد كبير بما إذا كان المستهلكون يصلون إلى سلع مشروعة أو مقرصنة”، وفقًا لبيان صدر مؤخرًا عن جمعية الناشرين الأمريكيين. وبالمثل، تتيح أمازون “التزوير على نطاق واسع.

منصات القرصنة

في فضاء الإنترنت الواسع حيث القوانين تكاد تنعدم وتصعب المراقبة، تنتشر إزاء هذه الظروف كثير من الظواهر المربحة لأطراف والضارة لأطراف أخرى، على سبيل المثال، الكتب باهظة الثمن، أو الصعب الوصول إليها، أسباب كافية أدت إلى “قرصنة الكتب” حيث لا تكلف القارئ شيئًا، بينما تكبد الناشر والمؤلف كثيرًا من الخسائر، توسعت هذه الظاهرة وأصبحت هنالك مواقع شهيرة يوجد على منصاتها مئات الكتب بمختلف التصنيفات، كل ذلك أدى إلى إطلاق مسمى لصوص الكتب.

إذ ما إن يرى كتابٌ عربيٌ جديد النور، حتى يستبيحه “قرصان” الكتب، من خلال مسحه ضوئيًا ونشره على شبكة الإنترنت، حتى المجلات الأدبية والثقافية لم تسلم من هؤلاء “القراصنة”. فمن هو المسؤول حقًا عن استمرار ظاهرة “قرصنة” الكتب الورقية ونشرها إلكترونيًا بالمجان؟ هل هم أولئك “الأشباح” المتوارون وراء حسابات غير معروفة على شبكات التواصل الاجتماعية، أم أن هنالك طرفًا آخر في التدمير الدائم لحلم التحول بمجال النشر العربي إلى صناعة. بالتأكيد المسؤول عن قرصنة الكتب ليس فقط هذا اللص أو ذاك.

وتشهد مواقع توزيع الكتب المقرصنة على شبكة الإنترنت انتشارًا متصاعدًا في السنوات الأخيرة وتحتدم المنافسة بينها من أجل توفير الكتب الأكثر شهرة لزائريها وأعضاء منتدياتها، الذين هم في الغالب من القرّاء الشباب ذوي الدخل المحدود والرغبة الجامحة في القراءة. ويشكو أغلب الناشرين العرب من انتشار تلك الظاهرة من دون دراسة أسبابها الحقيقية أو حثّ الجهات المسؤولة على محاربتها.

إن انتشار هذه الظاهرة يعود إلى أسباب عدّة في الحقيقة، أهمها ارتفاع أسعار الكتب وتفاوتها بالتناسب مع القدرة الشرائية وقيمة العملة في بلد معين، بالإضافة إلى استحالة توفير العناوين المطلوبة لجميع القرّاء العرب نتيجة لمصاعب التوزيع وارتفاع كلفة شحن الكتب وغيرها من المعوقات.

وترجع أسباب الإقبال على قرصنة الكتب لعدة أسباب، منها: عدم امتلاك القراء الأموال لشراء الكتب المطبوعة أو الإلكترونية، أو اللجوء للقراصنة كأسلوب حياة.

ومن جهة أخرى تعد ظاهرة القرصنة هذه مقياسًا نسبيًا بدرجة معقولة لتحديد نوعية الكتب الرائجة والروايات المشهورة التي يسعى المقرصنون لتوفيرها في مواقعهم، وبالرغم من أن حالة القرصنة هذه تعد خرقًا قانونيًا وسرقة علنية لحقوق الكتّاب والناشرين، إلّا أنّها لا تخلو من نواحٍ إيجابية نوعًا ما، إذ يظهر المقرصنون وعيًا استثنائيًا ودراية كبيرة بالكتب المطلوبة ونوعيتها وما حققته من رواج وما تركته من أصداء، وحتى سنوات قريبة كان بعض الكتّاب يلجؤون إلى نشر الإشاعات عن قرصنة كتبهم هنا وهناك في محاولة للفت الأنظار إليها والتدليل على أنّها ناجحة ومطلوبة.

وقد تتغير حياتك تمامًا بقراءة الكتب، عبر صفحاتها تطوف العالم، وترى عجائب الدنيا والبشر هنا وهناك، وتقطف ثمار حدائق الأفكار، وتحلق في الأفق البعيد غير عابئ بمكان أو زمان.. هذا ما تفعله الكتب بنا، هذا ما تغيره القراءة فينا.

ولكن في ظل عالمنا، والذي تحول كل شيء فيه لسلعة تباع وتشترى به، وعليك أن تدفع مقابل لها إذا كُنت بحاجة إليها، انسحب الأمر على الكتب أيضًا، فأصبحت تجارة لها أسواق مترامية الأطراف، ما بين الكاتب ودار النشر والقارئ مرورًا بمكتبات التوزيع.

تنتشر الكتب المقلدة على أرصفة الباعة، وبعض الشركات الصغيرة تقوم بعرضها على صفحات التواصل الاجتماعي، في ظل تشبث دور النشر وبعض القراء بالكتاب الورقي، لكن هذا التقليد اقتصر على الكتب الأكثر مبيعًا، والتي حققت نجاحًا فعليًا في السوق الرسمي ومعارض الكتاب.

هذا بجانب المواقع الإلكترونية التي تعرض تحميل الكتب المقرصنة، المنسوخة إلكترونيًا بطريقة غير شرعية، وتوفيرها للقراءة المجانية الحرة عبر الإنترنت، والتحميل المجاني لها، لتحظى بجمهور كبير بين الشباب صغير السن نسبيًا، الذي وجد فيها مصدرًا للعلم والمعرفة والتسلية، ومتنفسًا له بعيدًا عن قسوة واقعه.

وفي بلد كفرنسا بالرغم من كل الإجراءات، التي تتخذها سواء المؤسسات الرسمية أو المهنية. ومن ذلك إطلاق قانون “الثمن الوحيد”، الذي يُعرف باسم واضعه جاك لونغ، وزير الثقافة الأسبق، والذي يهدف إلى حماية الكِتاب من خلال منع تخفيض ثمنه. وذلك بالإضافة إلى تدخل النقابة الوطنية للناشرين الفرنسية، من جهة، عبر بلورة ميثاق جماعي يهدف إلى تأطير عمليات بيع الكتاب عن طريق الانترنت، ومن جهة ثانية عبر إطلاق منظومة معلوماتية بإمكانها تصيد الكتب المقرصنة. وبذلك، يجد البلد نفسه أمام التزايد المذهل لعمليات القرصنة التي تمس بشكل خاص الكتاب الإلكتروني. بل إن آخر التقارير التي تهم المجال تذهب إلى تأكيد أن القرصنة بفرنسا تمس حوالي نصف ما يُتاح على الويب.

وإذا كان الوضع بهذا السوء داخل بلد كبير كفرنسا، فلنا أن نتصور حجم المخاطر التي يعيشها الكتاب بالعالم العربي، حيث تشتغل مئات مواقع الكتب المقرصنة بكل حرية، في اللحظة التي تتواصل فيها دعوات الجميع لتوقيف الظاهرة. وإن كانت الدعوات لا تكفي في هذه الحالة. أما الأمر المفارق فهو أن الجميع يجهل حجم الظاهرة وخسائرها. وذلك لغياب الإحصائيات التي يُفترض أن تشكل المدخل الأساس لكل حل.

وخارج هذه الحالات، لا يمنع الأثر المدمر لعملية القرصنة بروز الكثير من الأفكار المناصرة لها ولحق الجميع في الوصول إلى كل الوثائق والمعلومات بكل الطرق، المشروعة منها أو غير المشروعة. ولعل من أهم منظري هذا الاتجاه لاورينس ليانغ، الباحث في جامعة دلهي والعضو المؤسس لمنتدى القانون البديل. إذ يعتبر ليانغ القرصنةَ، في دراسته الشهيرة “القرصنة، والإبداع والبنيات”، الوسيلة الأفضل لإشاعة الثقافة وتيسير الوصول إليها، خصوصًا في المجتمعات التي تُحجم دولها عن تقاسم المعرفة وتوزيعها العادل على الجميع. بل إن لاورينس ليانغ يذهب إلى أبعد من ذلك حين يعتبر أن القرصنة تشكل مصدرًا للإبداع، مستدلاً على ذلك بالتطور الذي عرفته السينما النيجرية بفضل أعمالها التي تَنسخ كثيرًا منها أفلامَ بوليوود، مؤسسة بذلك لصناعة حقيقية في غياب الدعم الرسمي.

وكشف موقع “Good E-Reader” ظهور مواقع وخدمات كثيرة لسرقة الكتب الإلكترونية وإتاحتها عبر شبكة الإنترنت، مؤخرًا، من بينها شركتا “سكربيد” و”كيندل”، موضحًا: “لا يعي القراء أنهم باشتراكهم في هذه المواقع يدعمون قرصنة الكتب”.

ويرى الموقع أن القائمين على قرصنة الكتب يزدادون ذكاء يومًا بعد آخر، مستطردًا: “حيث إن المواقع التقليدية لبيع الكتب الإلكترونية قد تبيع كتبًا مزورة دون أن تدرك ذلك”. معظم هذه المواقع تقع خارج حدود الدول، ما يجعل مقاضاتهم قانونيًا أمرا صعبًا.

بينما ذكر مكتب حقوق الملكية الفكرية التابع لحكومة بريطانيا أن 17% من الكتب الإلكترونية المتداولة غير قانونية، مشيرًا إلى أن أعمار الذين يستخدمون الكتب المقرصنة يتراوح بين 33 و60 عامًا.

وعادة ما يتساءل مستخدمو هذه الكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن مواقع أخرى، حال إغلاق المواقع التي اعتادوا استخدامها.

وكشفت شركة “gfk” الهولندية، في بحث جديد أجرته، عن أن 10% من الكتب الإلكترونية المستخدمة جرى شراؤها، في حين أن النسبة الأكبر من الكتب “مقرصنة”.

تقول ماري راسنبرغر، المديرة التنفيذية لـ Authors Guild: “هناك أشخاص يريدون فقط أن يكون كل شيء مجانيًا، وهو بمثابة دين لهم”. وتقول إن بعض مواقع القرصنة تنصح المستخدمين بكيفية شراء نسخة رقمية من كتاب، وتجريد إدارة الحقوق الرقمية (DRM) التي تهدف إلى حماية حقوق المؤلف، وتحميل الكتاب إلى موقع مشاركة الملفات، ثم إعادة حجز لاسترداد الأموال، “حتى لا يضطروا إلى دفع ثمن النسخة الأصلية.” تميل بعض المواقع بجنون إلى قرصنة حقوق النشر.

دور النشر العربية وقرصنة الكتب

تعد القرصنة في الشرق الأوسط ممارسة قديمة، فهي تعود في العصر الحديث إلى عشرينيات القرن الماضي عندما أقدم اللبنانيون والمصريون والسوريون وغيرهم بإعادة نشر المخطوطات المخزونة في المكتبات والمتاحف والمدارس الدينية بنسخ مطبوعة وعرضها في الأسواق بأسعار باهضة.. ومع توالي العقود، تطورت هذه العملية حتى أصبحت القرصنة حرفة متخصصة شملت الشرق الأوسط بأكمله حيث شرع الكثير من دور النشر والكتاب بترجمة الأدبيات المدونة بلغات أوروبية، وعرضها في أسواق مصر وسوريا ولبنان والعراق بدون أي ترخيص من الكتاب أو أصحاب حقوق النشر أو دور النشر الأوروبية التي قامت بنشر الأصول.. ومن الأعمال المترجمة ما ظهر تحت عناوين غير عناوينها الأصلية ككتاب أدمند روستاند (سيرانو دي برجراك) الذي ترجمه المنفلوطي بتصرف شديد ليظهر في الأسواق تحت عنوان (الفضيلة).. ومسرحية هنريك إبسن (الأشباح) التي سلخها علي أحمد باكثير في روايته “السلسلة والغفران”، وعلى النحو نفسه كانت المسرحيات تتحول إلى روايات والروايات إلى مسرحيات، ولأن معظم الأعمال الكلاسيكية الأوروبية متوفرة بطبعات عديدة ومتكررة بدون غطاء من حقوق النشر، عمد المترجمون العرب الى ترجمتها بدون رجوع إلى دور النشر الأجنبية فامتلأت السوق العربية بترجمات تجارية لديكنز وهوغو ومولير وبرناردشو وإبسن وهمنغواي والعديد من كتاب وأدباء القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين وترتب على ذلك أن العديد من القراء العرب باتوا يعرفون أسماء كتابها قبل القارئ الأوربي كالبير كامي وسارتر والكسندر دوماس واميل زولا وفلوبير والبرتومورافيا وكولن ولسون وغيرهم وباتت كتبا مثل اللامنتمي وكفاحي ودون كيشوت وجمهورية فلاطون وغيرها تباع إلى جانب روايات نجيب محفوظ ومسرحيات الحكيم.

كانت السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مرحلة هذا النوع من القرصنة الأدبية وازدهار سوقها، ولكن تلك المرحلة لم تخل من ترجمات رصينة لمترجمين مصريين ولبنانيين ومنها ترجمة الناقد الأردني الكبير الدكتور إحسان عباس لـ(موبي دك)، وترجمات الرواد المصريين للفكر الفلسفي والموسوعات الكبرى في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي التي أضافت إلى جيل الرواد وجهود الهيئة المصرية العامة للكتاب التي أسست عام 1971 ثروة معرفية كبيرة.. فأصبح ممكنًا للقارئ العربي قراءة (نقد العقل المجرد) لكانت و(رأس المال) لكارل ماركس و(أصل الأنواع) لداروين و(قصة الأدب) لأحمد أمين وبدر شاكر السياب باللغة العربية إلى جانب إبداعات عبد الرحمن بدوي وزكي نجيب محمود وزكريا ابراهيم وأحمد فؤاد الأهواني وغيرهم، وبينما لم تسند ترجمة المؤلفات الكبرى مشروعية الحصول على حقوق ترجمة ونشر كـ(صروح الفلسفة) لول ديورانت الذي ترجمه أحمد فؤاد الأهواني بعنوان (مباهج الفلسفة) وأخرجه بمجلدين بغلاف عادي، كانت المؤلفات المبتكرة كـ(الشرق الفنان) لزكي نجيب محمود و(الزمان الوجودي) و(الموت والعبقرية) لعبد الرحمن بدوي، على سبيل المثال وليس الحصر، لا تحتاج الى حقوق نشر من جهة أجنبية، وهي مؤلفات رائدة غاية في الروعة والفرادة لم يعمد أحد إلى إعادة طباعتها.

  • عن مجلة فكر الثقافية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *