محمد الطاهر بن عاشور تنويرياً

* تقديم: الدكتور جمال الدين دراويل

من المعلوم أن محمد الطاهر بن عاشور سليل الحركة الإصلاحية في القرن التاسع عشر ووريث هواجسها عامة وسؤالها المركزي “لماذا تقدم الأوروبيون وتأخر المسلمون ؟” خاصة. الا أن ابن عاشور تجاوز ذهنية الإصلاح في القرن التاسع عشر التي تعاملت في وجهتها الغالبة مع الثقافة العربية الإسلامية على سبيل الاطمئنان واعتبرنها صالحة مصلحة ، إذ قام بنقد ثقافي عميق وشجاع بيّن من خلاله ما تنطوي عليه هذه الثقافة من تشوهات ومغالطات وترهات وسلبية مثلت عاملا أساسيا من عوامل التخلف أولا ثم انبرى ثانيا إلى إنتاج مناويل وأنظارٍ فكرية جديدة في التشريع وفي التفسير وفي الحديث وفي تحقيق التراث الأدبي تعيد للثقافة العربية الإسلامية عافيتها وإيجابيتها ، من منطلق وعيه أن ذلك دعامة أساسية لبناء ذهنية العطاء والبناء وشرطا لازما للتقدم. ركز ابن عاشور في مقاربته التنويرية على إعادة الاعتبار: *للإنسان واعيا بكينونته وقيمته وكرامته وبدوره في صناعة تاريخه وهندسة حضارته *للحرية أصلا عتيدا ومقصدا عظيما من مقاصد التشريع للاجتهاد الدائم نظرا وعملا باعتباره آلة هذا التشريع وشرطا للتمدن والتحضر* والملاحظ أن هذه المرتكزات تشتغل ضمن نسق تكاملي يتجه الى تحقيق غاية أساسية وهي تشكيل الذهنية الايجابية والمبادرة التي تصنع التقدم. فابن عاشور ، بناء على ما سبق، ورث سؤال التقدم عن مصلحي القرن التاسع عشر ، لكنه دخل في تشريح هذا السؤال وتفصيل منطوياته وبيان مقتضياته ، ليخطوَ بذلك خطوة متقدمة عن وعي أساتذته من رجال الإصلاح الذين اتسم تفكيرهم بالمحدودية والسطحية والشعارات العامة ، وليفتح الطريق لمن يأتي بعده للدخول في تفصيل التفصيل.. وهكذا يتقدم العلم ، وهكذا يمتلك الإنسان القدرة على خوض معمعة البناء الثقافي والحضاري على بصيرة من أمره. والكتاب تفصيل وتدقيق لما تقدم.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *