فيرولا

*رانة نزّال

فيرولا في بيت أرواح إيزابيل اللندي الروائية التشيلية التي استغرقتها ثماني سنوات بعد الانقلاب العسكري الشهير في تشيلي عام 1973م، والذي أطاح بالرئيس الاشتراكي سلفادور أللندي على يد الجنرال أوغستو بنيوشيه تقول فيرولا: «أنا ألعنك يا ستبيان، ستعاني الوحدة دائماً، وسيضمحل جسدك وكذا روحك، وستموت خائفاً بضمير مثقل بالذنوب» وهكذا كان، لقد عانى ستبيان من هذا كله وأكثر فهل هذه نبوءات تُهوِّمُ في فلك الذّات الظالمة وتظل تطاردها، أم هي حصاد طبيعي لذوات كاذبة، متعجرفة وساقطة في ظلمات الظّلم مقابل كلمات تقطر من نور وأسى بالغ يسكنها مُعلّقة عالياً في فضاءات مأمولة من الأمل والتّوق الصادق لكلّ ما في الحبّ من جمال «منذ اللحظة التي رأتْ فيها عيني عينك إلى الآن.. أكرّر من جديد عهدي لك بالإخلاص الدائم والحب الأبدي» كلمات فلورنتينو لمعشوقته التي وقف أمامها بعد وفاة زوجها ليقول لها «واحد وخمسون عاماً وتسعة أشهر وأربعة أيام عمر حبي لكِ» في رائعة الساحرة «الحب في زمن الكوليرا» الّتي ينتصر فيها غابرييل غارسيا ماركيز للحبّ، للصبر، للوفاء، للحياة التي يُشعلها الحبّ وينوّر نبضها، ويضيء نسغها فتظل حياةً نابضة ساحرةً مقطّرة وحقيقية، في مقابل ذواتٍ خذلت الحُبَّ فخذلتها الحياةُ نفسها. فكيف جرى وصارت كل شخصيّة ما صارته، وما العوامل التي تغيّر كُلّ التغيير في الذّات البشريّة، فتجعل بعضاً من ذات اليمين وآخر ذات اليسار، وتعلّق أرواحٌ في برازخ النور وأخرى تظل تحوم في بحار الظلمات. حتّى تجني على نفسها وعلى من تُحبّ؟!

رانة نزال

أنّى لنا أن نحيط بكل عوامل الانضواء تحت مظلة الحب، تحت رايته التي رفعها صفراء لتظل السفينة المركب يبحر في نهر الحبّ مُعلناً بتلك الراية أنّه مركب موبوء بالكوليرا في مفارقة ساخرة من حياةٍ حاولت أن تسلب منه حبّه فظلّ وفيّاً للحبّ ساعياً إليه منتظراً تلك اللحظة التي يموتُ فيها زوج حبيبته؛ ليعود إليها بعد أن تخلت هي عنه بسبب من الأعراف والعادات والطبقات وما تمليه هذه العوامل الاجتماعية كعوامل تعرية تحاول أن تجرّد الحب من ملامحه أو لعلّها تختبره.

هيهات أنه يمكننا حصر هذه العوامل أو الوقوف على أدلة علمية دامغة تترجمها وتفسرها سواء تلك الجينية المرتبطة بالجينات أو الاجتماعية البيئية المتعلّقة بالبيئة الاجتماعية أو التربية وأثرها الدامغ الذي يصم كُلّا منا ويسمّ ذواتنا ويترك في أعماق أرواحنا أثره. ويبقى السؤال المعلّق ما هو دورنا في صون الحب ورعايته في ظل كُلّ هذا الوجوم وهذه القسوة، ومن الخاسر المحبّ الصادق الوفيّ أم ذاك المنسلخ المنسحب؟!!

  • عن الدستور الثقافي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *