* ماء العينين سيدي بويه
يعتبر كتاب «الشيخ والمريد»، لرائد الأنثروبولوجية في الدراسات العربية المعاصرة عبد الله حمودي، كتابا يستحق الدراسة، وفتح دراسات عليا تشجع بحوثا كهذه تسبر النسق الثقافي للسلطة في مجتمعاتنا العربية. ويأتي هذا الاستحقاق نتيجة طول نفس هذا الكتاب في النفاذ بعين ثاقبة إلى حنايا وثنايا ما يتلاطم في محيطنا الشرق أوسطي، والشمال افريقي من ثورات هدمت دولا وتركت أخرى ترتجف أو تنتظر .
قدمت دراسة «الشيخ والمريد» بلورة واضحة لماهيّة السلطة السياسية في النظام الملكي ونموذجه المغرب، والنظام الجمهوري الذي تحول إلى ديكتاتورية ومثاله مصر، ولذلك سأحاول تقديم فهم خاص لنوع السلطة التي تتحكم في تلابيب الحكم في النظام الملكي المغربي، الذي بعد صراع طويل مع الأحزاب اليسارية غلف دستوره بملكية برلمانية، المسؤولية فيها تقع على عاتق رئيس حكومة صرفته صناديق الاقتراع بعد ابتعاد أم الوزارات «الداخلية» عن التدخل .
من أجل فهم سر عمل النظام «المخزني»، وهذا المفهوم حسب الفيلسوف المؤرخ عبد الله العروي، بدأ في التاريخ المغربي منذ القرنين السابع والثامن الهجري، وبشكل فعلي مع الدولة المرينية. حدد عبد الله حمودي» ثلاث وسائل إجرائية في علاقة السلطة وهي: التقرب والخدمة والهٍبة، كوسيلة لكسب ولاء الأعيان، وتتمركز بإيداع السلطات بين أيديهم. وهذا المبدأ جعل نخبة البلاد تنقسم إلى نخبتين، الأولى التي تستجيب لمعايير معينة معترف بها عند الجميع. والثانية، التي يشكلها الفعل السياسي، ويميز الناس بين هذه الخاصة وخاصة الأمير أو خاصة الخاصة.
كيف ذلك؟ فالأمير هو الشيخ، والأعيان هم المريدون، وخدمة الأمير تتم في المركز، أو الإقليم، وهي خدمة شخصية، وبالتالي ليتم الولوج إلى القمة ينبغي الدخول في فئة الخاصة .
أولا، بالوسيلة الإجرائية «التقرب» بصفته مصدرا للسلطة، ما يمنح الخاصة صفة القرب، ففي حالة الخطأ والفشل تتمتع بالمنع من المعاقبة أو العفو. وهذا نلمحه إلى اليوم يستمر في الطقوس المخزنية، وتعميمه ليشمل الرّعايا من الشعب، بحلول كل مناسبة دينية أو وطنية والعفو عن السجناء .
ورغم تناسخ الفعل في السلطة الصوفية مع السلطة السياسية، إلا أن عبد الله حمودي، يخلص إلى مقارنة بين مريد الشيخ ومريد السلطة، فيعتبر أن التجانسات بين النسقين السابقين، تتميز دائما بتفاوتات نموذجية