* خاص – ثقافات
*د. مصطفى غلمان
1 – لم أجرؤ يوما على مناقشة أبي رحمه الله في أمر يخصني .. كنت مستسلما لقرارات أبوية صامدة. ولم أك قادرا على مواجهة غضبه عند انتقاد حالة الغموض التي تحجب رؤيتي للدين واعتمال أشكال التناقض في نفسي ..
كنت أعتقد أن القضية لاترتبط بالقيمة الاعتبارية للرمزية التقديسية الغيبية التي وعيناها عن ظهر قلب، بقدر ما هي قضية حماس زائد عن الحاجة، وانطلاقة شباب يخرج من عباءة الحياة مندفعا إلى اقتياد أسئلة مفارقة وملتبسة أحيانا ..
اليوم تتغير الحواجز وتتفاقم التآويل وتتردد الأصداء بنفس العمق والقلق والتخاطر المستفز . لكن الأهواء تحول دون إضمار الهواجس واسترداد الصور الضائعة بين النوسطالجيات وهوامش الكتابة.
هل يعني ذلك أننا اقتنعنا بمآلات التفكير الأبوي، في قيمه وتساميه عن التجريب النافر المضيع للعمر والصيرورة ؟
أم أن ثمة قرابين هي بالتأكيد متاعب واجبة حتى تنتقل الممارسات الى أدوارها المحددة ومضاربها المنشودة؟
حتما نحن اليوم كآباء نشعر بالرغبة الملحة في الاقتراب من صوت النسق الأبوي النموذجي الكلاسي الأصيل، إيمانا منا بأن ثمة اقتدارية مجازية منيعة تجعل من العقل البشري مناطا أخلاقيا عاليا، ووحدة متكاملة من الفكر الينبوعي المتعطر بروح الرحمة والمحبة والإيثار والإبداع الكوني.
أقول ذلك لأني اكتشفت بعد مضي ثلثي العمر ، أن أسرارا أبوية عظيمة تموت مع حقيقتها بين ثنايا الألم والانتظار القاسي، ولا نعبأ نحن المسعورين بنيران الجديد والهيف كم تكون الرحلة غاصبة ومستبدة من دون التروي واتخاذ القرار في الوقت المناسب ومراكمة الحوافز والقطائع قبل المسير.
2- الفكرة المخلصة لا تأتي من جهة التساكن والانحناء .. بل تقوم على الوجاهة والفطنة وقوة الدفع.
المصيبة أننا نقلب النظرية، فتصير الفكرة مستهدفة منذورة للتلاشي، لا طعم لها ولا هدف .. وإذا بالسائرين ينظرون إلى المقود وينسون أن الرياح تجذب نحو مصير الفكرة، حيث تضل وتنحرف باتجاه الهامش ..
ولكن الأهواء أحيانا تنزع إلى الشوق وتعوض الضياع بالتوق الى فتن الخيال والتغاصي . ألم يقل جاين أوستن : ليس هنالك من سحر يعادل اشتياق القلب.
3- الشعوب هي التي تمسك نفسها متى أرادت وتطلق للريح إرادة الوجود متى استطاعت ..
في القواعد الحاكمة للسلوك البشري الاجتماعي تمة ما يؤكد هذا الأمر ، وابن خلدون دقق نظريته في الغالب والمغلوب والهزيمة الداخلية للشعوب المقلدة .. ثم مالك بن نبي المفكر الجزائري الذي فكك مفهومية القابلية، الحالة الخاصة التي تصيب بعض الشعوب فتستخذي للهزيمة وتقبل الاستسلام للخصم والوقوع تحت سلطته، وهي تصيب بعض الشعوب حتى ولو لم تكن استعمرت قط.
عندما قلت إن الشعوب تظلم نفسها بفسادها وجهلها وسيرورة أحوالها وتقاعسها عن المدافعة وقابليتها للهزيمة فأنا أقصد أنها محشوة بالضعف الداخلي والهزيمة السيكولوجية وعدم قدرتها على التغيير وإعادة التشكل ..
إننا أحيانا نتجرد من العواطف واليوطوبيا لأجل الانكشاف على الحقيقة مهما كانت مرة وأليمة!
أولى خطوات التغيير الاعتراف بالضعف وإزالة الأقنعة ..