مهرجان “أغورا” يعرض تزاوج الجدل الفكري والفلسفي من خلال الصورة السينمائية.
أكتوبر 9, 2019
ضمن فعاليات مهرجان “أغورا” الدولي الرابع لربيع السينما والفلسفة بمدينة فاس.
*خاص – ثقافات
*مصطفى الحمداوي
أغورا (Agora) هي ساحة في أثينا القديمة، كانت مَجْمعاً لكل أطياف المجتمع الإغريقي القديم، وفي وسط هذه الـ: “أغورا، كانت تُثار كل الإشكاليات الكبرى أو الصغرى، وكل ما يخص الحياة اليومية للفرد الأثيني خاصة والإغريقي عامة، وساحة الـ”أغورا” شكلت على الدوام محور نقاش وجدل عمومي لامسَ كل قضايا تلك الفترة بما فيها الفكرية والسياسية.. وبهذه الدلالة العميقة اتخذ مهرجان أغورا الدولي لربيع السينما والفلسفة موقعاً متميزاً في مدينة فاس بين المهرجانات السينمائية المغربية الكثيرة، التي تُقام هنا أو هناك، مهرجانات، على تنوعها، تروج تقريبا للتيمات نفسها، ولا تكاد تقترب، مطلقاً، من كل ما هو فكري أو فلسفي.. وبتميزه، وبتفرد طابعه، استطاعَ مهرجان “أغورا” الدولي لربيع السينما والفلسفة أن يبصم على بعد متميز وعميق في الساحة الفنية المغربية، وبالخصوص في مجال المهرجانات السينمائية، ولم يكن اختيار مدينة فاس لاحتضان هذا العرس السينمائي الفكري الفلسفي إلا اقترابا من البعد الدلالي لعمق وتاريخ مدينة فاس الضارب في القدم، وحضارة هذه المدينة الغنية بإرثها الثقافي المجيد.
وكانت الدورة الرابعة لمهرجان “أغورا” لربيع السينما والفلسفة، زاخرة بأنشطة مفعمة بحيوية الفكر وعمق البعد الفلسفي في كل الأفلام المشاركة في هذا المهرجان؛ الذي عرفت لجنة تحكيمه نخبة مختارة من أسماء ووجوه سينمائية ونقاد بارزين من المغرب ومن ايطاليا.
وتشكلت لجنة التحكيم على النحو التالي: “جيوليانو كامبيوني، وشيارا تانيولوتي، وباولو بينفينوتي، وعمر بلخمار، وألفونسو لوكانو، والحسن حجيج”. وتبارت عدة أفلام كانت في المجمل جيدة وفي مستوى مهرجان يعتمد المحتوى والمضمون الفكري والفلسفي للفيلم، إلى جانب العناصر الفنية الأخرى المكملة لجمالية الفيلم من جميع جوانبه. وعرضت في المهرجان أفلام فسيفسائية الشكل والمضمون، ومن بلدان متنوعة، من داخل المغرب ومن خارج المغرب، كإيطاليا، وفرنسا ورواندا والجزائر وروسيا .كما تم عرض فيلمين مغربيين هما فيلم: “الميمات الثلاث” لـ: “سعد الشرايبي” و”نديرة” لـ: “كمال كمال”.
وقد خُصصت لجنة التنظيم، فقرة الأفلام الموازية للمخرج الروسي أندري تاركوفسكي من خلال عرض بعض أفلامه الشهيرة كـ”المرآة”، و”ستالكر”، و”طفولة إيفان”.
الجدير بالذكر أن المهرجان أسدل ستاره بعد عرض أفلام متميزة لمخرجين متميزين، وبعد عدة ندوات وأنشطة غنية في محتواها ومضمونها الذي انصبت في المجمل حول العلاقة بين السينما كوعاء تلقي يمكنه توصيل الأفكار الفلسفية والرؤى العميقة التي تتأمل الحياة والقضايا الكبرى بنظرة وجودية خاصة ومتفردة. وكانت فعاليات المهرجان التي انطلقت منذ مساء يوم الخميس 3 اكتوبر 2019، وانتهت يوم 6 أكتوبر، زاخرة بحميمية السينما، ودفء الأجواء الفكرية والفلسفية ذات البعد المركز في الهدف والفكرة.
مهرجان “أغورا” في دورتهِ الرابعة استطاع أن يحقق نجاحا جيدا ورائعا محتفلا ومحتفيا بالرابط المتين بين كل ما هو فكري وفلسفي، وذلك بمبادرة من جمعية أصدقاء الفلسفة، وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور عزيز حدادي؛ الذي لم يخفِ الصعوبات التمويلية الجمة التي واجهت الجمعية في تنظيم هذا المهرجان؛ الذي عرف حضور شخصيات سينمائية وفكرية كبيرة، كما عرف تعدد مثير للإعجاب في الفعاليات والأنشطة، في مقابل هزالة الدعم المرصود لمهرجان بهذا الحجم، وبهذا المستوى الكبير. ونحنُ من موقعنا نناشد كل الجهات التي تروج لجعل الثقافة رافداً للتنمية الاقتصادية في المغرب، أن تلتفت بجدية لمثل هذه المهرجانات التي تستقطب وجوهاً وأسماء بسمعة عالمية، أسماء لا شك في أنها ستسوق لسمعة البلد بشكل أو آخر، ولحضارة البلد على نطاق واسع، وعلى جميع الصعد.
في النهاية أفرزت المسابقة النتائج التالية: أحسن فيلم للمخرجة الجزائرية ياسمينة الشويخ عن فيلم: “إلى آخر الزمان”، وذهبت جائزة أحسن فيلم “في الإخراج” إلى المخرج الايطالي ماريو بريندا عن فيلمه “ضحكة”، أما جائزة أحسن فيلم “في المهرجان” فقد انتزعها فيلم: “بيتشيني والخادمة” للمخرج الإيطالي باولو بينفينيتي. والجدير بالذكر أن لجنة التحكيم التي ترأسها الفيلسوف والناقد الإيطالي جوليانو كامبيوني، قد نوهت بالجودة العالية للأفلام المشاركة في المهرجان، وأبدت إعجابها بمستوى ومضمون الندوات والمحاضرات التي أغنت المهرجان؛ الذي أُختُتم بتوصيات أهمها توجيه الاهتمام إلى وجوب تضمين محتوى فكري وفلسفي في السينما الحديثة، ومحاولة التغلب على ما يروج من نتاجات سينمائية تجارية تشوه الذوق الجمالي العام، وتقدم للجمهور مادة سينمائية متخمة بالبشاعة والنمطية السطحية.