«تميُّز» تمنح جائزتها لراسم بدران ..عبقري العمارة العربية

*خاص – ثقافات

جائزة «تميُّز للإنجاز المعماري مدى الحياة» تخطّت أخيراً حدودها القطرية. فالجائزة التي مُنحت منذ تأسيسها عام 2014 لأساطين العمارة العراقية، محمد مكية، ورفعت الجادرجي، وقحطان المدفعي، وهشام منير، ومعاذ الألوسي.. أعلن في الأسبوع الماضي عن منحها للمعماري الفلسطيني الأردني راسم بدران، وبه تتميز «تَمّيز»، فهو يتجاوز الانتماء القطري إلى العربي الإسلامي العالمي، وتمتد مكاتبه المعمارية من «دار العمران» الذي أسسه عام 1980 في عَمان، إلى الرياض، وبيروت، وأبوظبي.

وأهم المشاريع التي فاز بها تصميم «جامع الدولة» في بغداد (1982)، والجامع الكبير وقصر العدل في الرياض (1985)، والجامعة الإسلامية الدولية في كوالالمبور بماليزيا (1993)، ومركز الملك عبد العزيز التاريخي في الرياض (1994)، ومدينة الفحيحيل في الكويت (2003)، ومجمع محاكم أبوظبي (2006)، وتطوير حي البجيري في الدرعية بالسعودية (2006-2015).

وراسم بدران لا يبني للحصول على زبائن، بل يحصل على الزبائن ليبني، بدا ذلك واضحاً منذ «جامع الدولة» في بغداد، الذي لم يُشيّد، بسبب ظروف الحرب العراقية الإيرانية، لكن بدران حقق فيه رؤياه بإشادة أكبر مسجد جامع آنذاك في العالم. والمسجد الجامع هو الروح التي تشكل البعد الرابع للبناء، حسب «جيمس ستيل»، أستاذ العمارة في جامعة «ساوث كاليفورنيا» بالولايات المتحدة، ومؤلف كتاب «راسم بدران.. حكايات الناس والمكان».

والكتاب الصادر عن دار نشر الكتب الفنية العالمية «تيمس آند هدسن» تحفة في التصميم يفترشها 350 رسماً وتخطيطاً من أعمال بدران، الذي لا يتوقف عن تنفس الفن كالهواء، وفيه ندرك أن المسجد الجامع أهم مبنى في المدينة الإسلامية، وهو يمثل القيم المشتركة بغض النظر عن الثقافات المختلفة للمجتمعات الإسلامية، «إنه مغناطيس الهوية في عالم متنوع. وهو تاريخياً لم يكن قطّ صرحاً منعزلاً، بل منسوج تماماً في البنية الحضرية، وفي مواقع متواترة عبر المدينة. وعلى الرغم من تشابه الوظيفة فنادراً ما نجد جامعاً بواجهة كبيرة، كما في الكاتدرائيات المسيحية، بل يتميز الجامع بالحرم الداخلي الكبير».

ويُعتبرُ فوزُ بدران بمسابقة «جامع الدولة» في بغداد منجزاً معمارياً له وللعراق، حيث خالف في تصميمه قواعد النصب الرسمية كرمز لسلطة رئاسة الجمهورية، فيما جعله بدران أكثر إنسانية، وقرباً من الفرد العراقي العادي. يبدو هذا بوضوح في تصميم شكل محيط المسجد، الذي يُذّكرُ بالقرية العراقية التقليدية.

وبدران مثل إدوارد سعيد، خارج المكان داخل المكان، منذ غادرتْ عائلته القدس التي ولد فيها عام 1947، وهو لا يتعامل «مع المكان، كواقع ساكن لا يتغير، بل متحرك دائماً إلى الأمام»، حسب بدران الذي يصف كيف شَحَذ الترحال الدائم قابلياتَه وقدرتَه على حفظ الصور في ذهنه، بجميع تفاصيلها، وبأحداثها وتجاربها. وهو «قادر على استعادتها لاحقاً ومراجعتها نقدياً عند وضعها على الورق، بدلا من استنساخها ورسمها كصور ساكنة». هذا التصور النقدي للمكان بتعقيدات وتفاصيل محتواه يمنح بدران رؤية منفصلة عن المشهد، ويهبه تصوراً ومخيالا جديدين مختلفين تماماً عن آخرين حاولوا العثور على طريقة لترجمة التقاليد في شكل معاصر.

وتدرك ذلك بشكل حيٍّ عندما تتجول مع بدران في شوارع مدينته عَمّان المنحوتة العملاقة من تلال وهضاب مسكونة، تسحرك محاسنها التي تسترها وتكشفها، إذ تعتلي مرتفعاتها، وتنحدر مع منحنياتها، إلا أن عاشقها بدران لا يغتفر قط انتهاكات جمالها. والمساكن التي صمّمها وبناها في عمّان منذ السبعينيات من أعمال الحب المستحيل، الذي يريد أن يعوض الحبيبة عمّا فعلوه بها. وعندما ترى عَمّان بعيون بدران تدرك قول «فرانك لويد رايت»، أحد أبرز المعماريين في القرن العشرين، إن «العمارة أم الفنون، ومن دون عمارة تخصنا لا روح في حضارتنا».

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *