هيرمان ميلفيل ( 1819 ـ 1891 ) ضحية الظروف المحيطة

خاص- ثقافات

*دكتور. محمد عبد الحليم غنيم

ـ1 ـ

      كان رأى ميلفيل أن الإنسان هو ضحية الظروف المحيطة به دائما، ومهما قاوم متقبلا التحدي فإن نهايته هي الهزيمة المؤكدة، كما حدث في روايته الشهيرة ” موبي ديك ” التي انتهت بأن قضى الحوت الأبيض على ” أهاب “

ـ 2 ـ

     لعل الإنجاز الحقيقي لرواية ” موبي ديك ” يتمثل في الفلسفة والشخصيات التي تحتويها، فمن الصعب الفصل بين الفلسفة المجردة والشخصيات المتجسدة التي عبرت بأفعالها عن أفعال ميلفيل دون أن تتكلم عنها.

ـ 3 ـ

     كان هدف ميلفيل من كتابه ” موبى ديك ” أن يستقبل معلوماته الوافرة وخبراته الطويلة في عالم صيد الحيتان، وهو عالم غامض ومثير وخطير وزاخر بالمتناقضات مثل الحياة تماما، لذلك يصلح ليكون رواية زاخرة بالصراع ذي المستويات المتعددة.

ـ 4 ـ

     يقول بعض النقاد: إن هناك تشابها بالغا بين شخصية إشماليل وميلفيل نفسه، وإشماليل شخصية رومانسية انعزالية بمعنى الكلمة، فهو ليس مجرد هارب من عالم الشر أو عدوله، بل يمثل النزعة التأملية التي يفتقدها أهاب في مطاردته المجنونة للحوت، وإذا كان قد قام بدور الراوي فإنه شارك في صنع الأحداث، وبذلك زاد من قوة الإقناع الفني للرواية على طريقة ” وشهد شاهد من أهلها ” .

ـ 5ـ

     وقد وضحت لنا مأساة أهاب من بداية الراوية في العظة التي ألقاها الأب مايل على البحارة، وفيها أوضح أنه لكي نطيع الله يجب علينا ألا نطيع أنفسنا.

ـ 6 ـ

     يقول ميلفيل: مثل الرواية كمثل الدين فإنه يتحتم عليها أن تخلق عالما آخر , لكنها في الوقت نفسه تشعرنا بقيدها حولها ” .

ـ 7 ـ

      كانت رواية ” رجل الثقة ” آخر عمل نثري مطول نشره ميلفيل في أثناء حياته , ومن ثم كان الأخير في سلسلة الكتابات المدهشة التي زخر بها العقد القصير والباهر في حياته العامة ككاتب أمريكي .

ـ 8 ـ

     ومن بين كل كتب ميلفيل فإن ” رجل الثقة ” تعد على كل المستويات أكثرها إثارة للمشكلات والتعقيدات، إنها تشكل دليلا على رغبته الجادة في تحطيم الإطار التقليدي للقصة .

ـ 9 ـ

     هيرمان ميلفيل من الروائيين الأمريكيين الذين قاموا بدور ريادي في مجال تأصيل شخصية الرواية الأمريكية، لكنه لم يكن محظوظا في حياته، إذ رفض نقاده المعاصرون الاعتراف بريادته، وذلك لأن رواياته لم تكن تقليدية على الإطلاق، واعتبره النقاد كاتبا غير متمكن من تقاليد الرواية.

ـ 10 ـ

     ولد هيرمان ميلفيل في نيويورك لتاجر ثري، لكنه سرعان ما خسر كل ثروته ومات على إثر ذلك، مما اضطر العائلة إلى النزوح إلى (ألباني) حيث قضى هيرمان طفولته المتأخرة في فقر مدقع دفع به إلى العمل في وظائف عدة، لكي يسهم في إعالة نفسه وعائلته، ومن ثم لم يتلقى تعليما يذكر وخاصة عندما بدأ حياة التنقل والترحال بعمله بحارا على السفن العابرة للمحيطات.. كانت حياة البحر التي عاشها هي المادة الخام لمعظم رواياته وخاصة موبى ديك.

ـ 11 ـ

     في أكتوبر 1844 قرر ميلفيل أن يترك حياة البحر نهائيا فعاد للاستقرار في بوسطن، حتى أنه رمى بجاكيت البحار في النهر كرمز لانتهاء هذه الفترة الصاخبة في حياته.

ـ 12 ـ

      لم يبدأ ميلفيل كتابة الرواية إلا بعد استقراره بعيدا عن صخب البحر ومخاطره، فكتب رواية ” تايبيه ” عام 1846 , وفي العام التالي 1847 كتب رواية ” أومو ” وفي عام 1849 كتب رواية “ مارى ” وفي العام نفسه كتب رواية أخرى بعنوان ” ريد بيرن ” وفي عام 1850 كتب رواية ” الجاكتة البيضاء ” .

ـ 13 ـ

      في عام 1850 انتقل ميلفيل إلى ولاية ماسوتشوستس حيث عقدت أواصر الصداقة بينه وبين الروائي هوثورن.

ـ 14 ـ

      في عام 1851 كتب أشهر رواياته على الإطلاق التي طبعت في لندن باسم ” الحوت ” وفي نيويورك باسم ” موبى ديك ” وفي عام 1952 كتب رواية ” بيير ” التي كانت محاولة مبكرة لكتابة الرواية السيكولوجية نظرا لأن علم النفس لم يكن قد أرسى قواعده بعد , وفي عام 1857 كتب ميلفيل آخر رواياته بعنوان “رجل الثقة” وكان في العام نفسه قد كتب مجموعة من القصص القصير بعنوان ” حكايات الميدان ” .

ـ 15 ـ

      لم يقتصر إبداع ميلفيل على الرواية والقصة القصيرة فكتب الشعر أيضا ولم يظهر شعر ميلفيل إلا بعد قضاء سنوات من الكتابة واليأس عندما أصدر أول ديوان له ” مقطوعات من المعركة وملامح من الحرب ” عام 1866 , وفي العام نفسه التحق ميلفيل بأول وظيفة حكومية فعاش حياة مستقرة وقد ظل في هذه الوظيفة لمدة تسعة عشر عاما , مما جعل إنتاجه الأدبي يتميز بالتأمل الفلسفي المتأني ويفقد الحيوية المتفجرة والمتقلبة .

ـ 16 ـ

     لم يكتب ميلفيل شيئا أثناء وظيفته , وبعد أن استقال منها عام 1885 , يبدو أنه تفرغ للكتابة فنشر ديوانين من الشعر قبيل وفاته ” جون مار وبحارة آخرون ” عام 1888 , و ” تيمولون ” عام 1891 , وعند وفاته ترك مخطوطا لرواية قصيرة لم يتمها بعنوان ” ببلى بد ” التي نشرت بعد ذلك عام 1924 , أي بعد وفاته بأكثر من خمسة وثلاثين عاما .

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *