خاص- ثقافات
*فيصل عبدالحسن
النص الشعري جسد حي، ترى فيه كل ماترى في الأحياء من علامات الفرح والحزن، و من يريد الكتابة عنه عليه أن يأتي بنص مواز له، يكون زاخراً بفهم الحياة الداخلية للنص.
ديوان ” غامض مثل الحياة وواضح كالموت ” للسوري حسن إبراهيم الحسن، الذي صدرعن مجلة دبي الثقافية وصاحب عددها 134 سبتمبر 2015 وضعنا ازاء مثل هذه التجربة.
هو الديوان الثالث للشاعر بعد” المبشرون بالحزن ” 2007 فاز بجائزة الشارقة للإبداع، و” ها أنتَ وحدي ” 2010 فاز بجائزة دبي الثقافية.
والشاعر من مواليد دمشق عام 1976، وتخرج من جامعة حلب.
هنانو
قصائد الشاعر التي لا تحكي سيرته جاءت باردة، قليلة التأثير بالرغم من محاولته، إغناء متنها بتضمينات لهذا وذاك.
ليبعث الخيال فيها من خلال التركيب اللغوي المزدوج، كما فعل مع بيت للمتنبي وإسلام أبو شاكر، وياسر الأطرش.
جمع الشاعر قصائده الباقية في نهاية الديوان، وقدم عليها ما ذكرناه، وهي التفاتة ذكية حصل بسببها على تعاطف القارىء معه لما يحدث في سوريا حالياً.
قصائد سيرته حملت الهَمَّ اليومي للاجئين، سواء من نزحوا إلى مدن سوريا أو خارجها، وفي الكثير منها، وضع إشكالية نصية متشابهة، تعني بأسئلة فلسفية عن كينونة الإنسان حين يصير قريباً من الموت، وحين يعيش في ظل القهر والعجز.
قَلَبَ الشاعر مسألة الموت من عدة وجوه: ما قبله، وما بعده. وما كانت تعني الحياة للحي، ورأي الآخرين به بعد موته.
وماذا يعني فقدان الزوجه والأطفال والأهل والبيت ؟ ووضعنا في كل قصيدة وسط بانوراما الحياة في مدينة سورية صغيرة اسمها “هنانو” تقبع في ظل الحصار، وما يعيشه مدنيوها في ظل الموت الذي يترصدهم.
آلاء ولين
عتبات الديوان، كالعنوان الرئيسي، والإهداء، وعنوانات القصائد، كلها تشير بوضوح إلى انشغالات القصائد بالموت والحياة.
الحياة لغز غامض، والموت مُعَرَّف، لا يحتاج إلى تفسير بينما الحياة تحتاج عشرات التفسيرات في ظل الحرب.
أهدى الشاعر ديوانه إلى خطاهنّ في تغريبة النازحين، وخصصه، بتسميته نازحتين، هما أقرب الناس إليه: آلاء زوجته ولين أبنته، وتسمية الأبنة تجيء للرد على ذروة القسوة.
ولا ينسى الشاعر الطرف الآخر، في معادلة ” العلة والمعلول “: القَنَّاص، الذي يترصد الناس ليقتلهم، فهو في ضدية الزوجة والأبنة، السلام والمحبة، وهو وجه الحرب البشع.
” سأقول للقنَّاص: لو حدَّقت في وجه الضحيّة جيّداً / كنتَ انتبهتَ إلى انعكاسك في المرايا / هل ترى أحداً سواكَ أمام فوَّهةِ القَصاصْ ؟ ”
استخدم الشاعر في بناء معظم قصائده، الطباق، والطباق حلية بلاغية تُجَمّل المعنى، لكنه يأتي في قصيدة الحسن للكشف وإظهار عناصر، وإشارات أضافية تعمق في التأثير، كقوله في قصيدته الإثنين:
“رأيتُ أماً .. في جنازةِ طفلهِا تدعو لأطفالِ العدو / شجيرةً .. عند الظهيرةِ ظلُّها يحنو على الحطَّابِ ” وتجد في قصائده الكثير من الاستعارات والتشبيهات والمجازات والكنايات والانزياحات.
واستخدم قاموساً لغوياً عبر فيه عن العيش في ظل الدعة والسلام، فالقصائد مملوءة بكلمات تشير إلى الدفء العائلي، وإلى الحرب بوصفها سالبة للحريات والسعادة والأمل، وطاردة للناس من أوطانها.
قصيدة السيرة
تكررت في قصائده عبارات وأسماء وافعال تدل على هذه المضان: الحب، الزوجة، الحبيبة، الحنين، الشجار، يقول في قصيدته الإثنين: غيرَ أنيّ .. في غيابكِ غيرّتني الحربُ / علمني الحصارُ الحبَّ / علَّمني الحنينَ لأتفهِ الأشياءِ: روتين الزواجِ / شجارنا اليوميِّ / شايِكِ / مشيتي كاللصّ فجراً عائداً من سهرة الأصحاب ”
الحرب، الحصار، الطائرات، كما ان الشاعر استخدم الفعل المضارع في الكثير من قصائده لجذب المتلقي لمشاركته القصيدة، كقوله في قصيدته الخميس:
” أحرسُ التاريخَ من كذبِ الرواةِ / وأحتفي بين القذيفة والقذيفة بالحياة ”
ورسم في قصائده بالكلمات من خلال سيرته عذابات السوريين وظروف حياتهم الصعبة في الحرب الحالية.
وتجد هذا الهَمّ في العديد من قصائده، وقد اعاد الشاعر الكرة إلى ملعب الرافضين لقصيدة السيرة والموافقين عليها، وقد كتب هذا اللون في العديد من قصائد ديوانه.
شارك الشاعر في عشرين مسابقة شعرية وفاز فيها، وطبيعة المسابقات تفرض أحياناً عليه أن يرتدي غير ثيابه، ويتخلى عن صوته الحقيقي، لأجل أن يرضي لجانها، وهذا بالطبع ليس في صالح موهبة الشاعر.
ضم الديوان سبع قصائد هي: برج الحصار، عادات سرية، والسورياذة، آخر النبوءات، نهر التراب، من معجم الصعاليك، ومن هوامش معجم البلدان.
كاتب عراقي يقيم بالمغرب
faisal53hasan@gmail.com