القاهرة- مثلما كانت مرآة الإبداع انعكاساً لموضوعات شتى، كانت الكرة ضمن المضامين التي استعان بها الكتاب، لتقديم رؤيتهم الخاصة، فقد كان مجال الكرة مركز استيعاب للكثيرين، ففيه متسع للكثير من الرموز والعلامات، ففي عام 1994 بيع عشب «ستاد لوس أنجلوس» في قطع صغيرة، بعشرين دولاراً للقطعة الواحدة، لكن اللحظة الأعمق في تاريخ هذه اللعبة، عندما أقيم سوبر ماركت «كارفور» في بوينس أيرس بالأرجنتين، على أنقاض استاد نادي «سان لورينزو» يومها كان المشجعون يلتقطون حفنات من التراب، ويضعونها في جيوبهم، كبقايا من ذكرى عالم لن يعود، فقد جرى تدمير هذا الاستاد عام 1983.
وحين فازت هولندا على الألمان في الدور قبل النهائي لبطولة الأمم الأوروبية عام 1988 ظهر ديوان شعري بعنوان «هولندا – ألمانيا: شعر كرة قدم» تضمن الديوان قصائد كتبها لاعبو كرة قدم، وجاء في قصيدة للشاعر يوليس ديلدر، وعنوانها «21 – 6 – 88» تاريخ المباراة: «هؤلاء الذين سقطوا/ قاموا ليهتفوا من قبورهم» ولأن الهولنديين لم ينسوا الهزيمة التي وقعت في عام 1974 فإن حارس مرمى هذا الفريق المهزوم، أرسل برقية إلى الفريق المنتصر في عام 1988 يقول فيها: «لقد تم تحريرنا من معاناتنا كما صدرت في فرنسا أنطولوجيا شعرية بعنوان «حقل الرياضة» في 400 صفحة.
وإذا كان الملك إدوارد الثالث يرى أن كرة القدم هي «الحماقة التي ليست لها أي فائدة» فإن الشاعر الفلسطيني محمود درويش كان يشير إلى أن تلك اللعبة «أشرف الحروب» فخلال حصار بيروت، كان حريصا على متابعة مباريات كأس العالم، وبينما كانت الطائرات تقصف المدينة، كان منشغلا بالبحث عن بطارية، تضمن له متابعة المباريات، عند انقطاع الكهرباء، ثم كتب عام 1986 مقالا بعنوان «مارادونا.. لن يجدوا دماً في عروقه بل وقود صواريخ»: «يفلت كالصوت، له وجه طفل، وجه ملاك، له جسد الكرة، له قلب أسد، له قدما غزال عملاق، وله هتافنا: مارادونا.. مارادونا، فنتصبب اسمه عرقا».
يقول: «سنتذكر العصر الذي حل فيه مارادونا ضيفا على لهفتنا، فأقلعنا عن كل شيء لنتفرغ لما مسنا من طقس: محبة مارادونا، وتسييج قدميه بفضاء الرحمة» يقول أيضا: «ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟ مع من سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟، وإلى من نأنس ونتحمس بعدما أدمناه شهرا، تحولنا خلاله من مشاهدين إلى عشاق؟ ولمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجج فينا عطش الحاجة إلى: بطل.. بطل نصفق له، ندعو له بالنصر، نعلق له تميمة، ونخاف عليه، وعلى أملنا فيه، من الانكسار؟ يا مارادونا، يا مارادونا، ماذا فعلت بالساعة؟ ماذا صنعت بالمواعيد؟».
في زمن الستينيات المصري برز اسم الكاتب محمد حافظ رجب كرائد من رواد أدب اللامعقول، بعد ما أثار ضجيجا كبيرا بمقولته «نحن جيل بلا أساتذة» وكان عمله الأول مجموعة قصصية بعنوان «الكرة ورأس الرجل» بطلها كاتب يعاني الإحباط، لظروف يعلمها كل من أدركته حرفة الكتابة، وقد شاهد مباراة في كرة القدم، عجز لاعبوها عن تسجيل أي أهداف، فأهداهم الكاتب رأسه ليلعبوا به، ويسجلوا ما عجزوا عن تسجيله بالكرة العادية.
وإلى الأورجواي نقرأ لإدواردو غاليانو من مجموعته «أصوات الزمن: حياة في قصص» أن كرة القدم قد تشهد استخدام روبوتات، يأمل علماء الكمبيوتر في تطويرها، لتحمل كأس العالم بحلول عام 2025 إذ يقول: «الروبوتات قوية في الدفاع وسريعة في الهجوم، وهي لا تصاب بالتعب أو تشكو، وهي تنفذ أوامر المدرب بكل جدية».
كتب الروائي رشيد بوجدرة روايته «ركلة جزاء» بالفرنسية، وتدور حول مباراة في نهائي كأس فرنسا، جرت في نهاية عام 1957 واستغرق الزمن السردي الفترة المحددة للمباراة (90 دقيقة) أما الحدث الموازي، الذي جرى داخل المدرجات، فهو اغتيال أحد عملاء الاحتلال الفرنسي، على يد رجل من رجال المقاومة.
وفي فرنسا أيضا هناك نص بعنوان «كآبة زيدان» للروائي الفرنسي جون فيليب توسان عن نهائي مونديال عام 2006 ويتناول لحظة نطح زيدان للاعب إيطالي ما أدى إلى طرد زيدان، وكان الكاتب باولو كويلهو ضمن وفد بلاده (البرازيل) الذي قدم ملف استضافة كأس العالم عام 2014 وكتب عن كرة القدم مقالا، أثناء مونديال ألمانيا عام 2006.
لن نستطيع تجاهل ما قدمته أمريكا اللاتينية لفن كرة القدم، وتأتي البداية الحقيقية هناك مع الكاتب ماريو بيندنتي الذي أصدر عام 1959 مجموعته القصصية «أهالي مونتفيديو» وتظهر فيها قصة «مهاجم الجبهة اليسرى» وفيها يقدم الكاتب مشكلة اجتماعية، تتعلق بالظروف الاقتصادية للطبقة المهمشة، التي قد تدفعها للخطأ، ومشكلة الفساد في ذاتها، وأيضا الطبائع الإنسانية، بما فيها من سذاجة، وفكرة المصير والنهايات الملتوية، لكن عبر بوابة كرة القدم.
أما الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا الحائز على جائزة نوبل في الأدب فلديه «11 قصة عن كرة القدم» وضع خلالها حكمين في النار، لأنهما لم يقرآ فولتير، أما سارتر فكان يرى أن «كرة القدم هي مجاز الحياة» في حين أن البريطاني جورج أورويل كان يؤكد على أن «الرياضة الجدية لا علاقة لها باللعب النزيه، فهي محكومة بالغيرة والكراهية والتبجح، وتجاهل القواعد، والمتعة السادية المتمثلة في مشاهدة العنف، وبكلمات أخرى إنها الحرب بدون إطلاق الرصاص».
وكان الكاتب الفرنسي «جان جيرودو» يرى أن «الفريق يمنح الكرة إحدى عشرة حيلة وأحد عشر خيالا» في حين أن أندريه موروا كان يشير إلى أن مباراة جيدة لكرة القدم هي انعكاس للذكاء، وهو في حالة حركة، وهناك رواية للكاتب النمساوي «بيتر هاندكه» بعنوان «قلق حارس المرمى لحظة ضربة الجزاء» وبطل الرواية حارس مرمى يطرد من الملعب، بسبب هفوة ارتكبها، ويقضي ليلته مع بائعة تذاكر، في إحدى دور العرض السينمائي، محاولاً التخلص من الهواجس، التي تعذبه، وفي الصباح يقتل بائعة التذاكر خنقا.
وتعد أقدم المحاولات العربية في هذا الصدد ما كتبه الشاعر العراقي معروف الرصافي (1875 – 1945) في قصيدة مطلعها يقول: «قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم/ كرة تراض بلعبها الأجسام» كذلك هناك إحدى رباعيات صلاح جاهين التي يقول فيها: «أنا قلبي كورة والفراودة أكم/ يا ما اتنطح وانشاط وياما اتعكم/ وأقول له كله هينتهي في المعاد/ يقول: بساعتك؟ ولا ساعة الحكم».
____________
*الخليج الثقافي