خاص- ثقافات
*وفاء خرما
” في كل مكان ودائماً، عينا الأخ الأكبر، ترقبانك وصوته يحيط بك، وسواء كنت مستيقظاً أو نائماً، تعمل أو تأكل، داخل منزلك أو خارجه، في الحمّام أو في الفراش، لا مهرب لك. أنت لا تملك سوى تلك السنتيمترات المكعبة داخل جمجمتك ! “
(من رواية 1984- جورج اورويل )
” وسألَتْه :هل صحيح ما يشاع عن قوة إبصار رجال الأمن ؟ فمنذ أن سمعتُ بذلك أحسُّ أننا لسنا أكثر من فئران .
– من تعنين بقولك :نحن ؟
– أعني أنا وأنتَ ،أولادنا ،الناس
لعب القط في عبِّ راشد أكثر وأوشك أن يُقسم أن زوجته مدسوسة، وأنَّ رتبتها الأمنية قد تكون أعلى من رتبة أخيها الذي زوَّجَهُ إياها .”
(من رواية حرب الكلب الثانية – إبراهيم نصر الله)
رنينٌ يخترق الصمت. أرفع السّماعة. هي صديقتي الشابة ” آمال ” تسأل عن أخباري، فأجيبها، أنّي قد شرعت للتوّ في كتابة قصة .
– ياه .. بعد كل هذا الانقطاع ! هيّا أكملي قصتك .. سأتركك ..ولا كلمة !
– قلمي لم يعد الآن يتحرك !
-كيف ؟
-مقطعان لجورج اورويل وإبراهيم نصرالله بدأتُ بهما قصتي .
– وماذا في ذلك ؟
– المقطعان يعجّان بالرائحة الأمنية !
– وان يكن!
– خفتُ. ما أن قرأت المقطعين بصوت مسموع، ممثلةًّ الإلقاء في أمسية قصصية حتى انتابني الرعب .
-ولكنك ِالمؤلفة ولستِ السّاردة، والسّارد هو من يكتب القصة.. أليس كذلك ؟
-ما أغباكِ وأنت تتوقعين أن يميِّزوا بين المؤلف والسّارد .
– ألا تعتقدين أنهم يوظِّفون خبرات مختلفة ؟ واحدة منها لا بدَّ أن تكون أدبية تستكنه المكتوب الأدبي .
– لا نجاة لي مؤلفة او ساردة .. سيطاردون حتى السّاردة كشخصية حقيقية ينتزعون مني عنوةً اسمها مطابقاً لكائن موجود. لن ارتكب ظلماَ لمجرد شهوة استبدت بي لكتابة قصة !
– اسمعي . سأكون الساردة !
– هل جننت ِ ؟ تنتزعين أنشوطتي لتعلّقيها في عنقك ؟! كفى ..كفى .انتهينا . لن اكتب القصة !
—————
أنا ” آمال شهدا ” المقيمة في باريس، أعلن أني الساردة في قصة صديقتي الكاتبة “وفاء خرما “وأني المسؤولة عن كل ما يرد في القصة من أفكار وصور وأخيلة وما تثيره من إيحاءات وظنون قد يحلو لبعضهم أن يلفق لي تهمة بشأنها .
ملحوظة :لا علاقة بالقصة لأية “آمال شهدا” أخرى قد توجد أو يُعثر عليها مقيمةَ، مهاجرة أو لاجئة في أي بلد في العالم .
—————
همّي وغمّي الذي ابتدأ بما استهللتُ به قصتي بذينك المقطعين، وقد عاودني ثانية، بإعلان صديقتي على صفحتي، تطوُّعَها المتهور، فقط كي تُخرج قصتي إلى النور، هذا الهمُّ والغمُّ يعاودني للمرة الثالثة بنداء يأتيني صارخاً مستغيثاً من الشخصية “واو” في قصتي (ليلة القبض على “واو” ) من مجموعتي الأخيرة : واو في نيويورك . تناشدني” واو” التي كانت قد عُذِّبت في سِجنيْ الوطن والمغترب على التوالي، أن انتزعها من موتها كي تأتي إليَّ، لتتقمَّص دور الساردة في قصتي الجديدة !
يطاردني صوتها ليلاً، بعيداً وعميقاً. تُضنيني الحيرة، فأين سأعثر عليها لألبيَّ رغبتها وكيف ؟ والقفلة في قصتي حولها ، تحكي عن روحها التي تسللت إلى أحد القبور، في مقبرة حيّها القديم (وفق شهادة اهل الحيّ) ، في الوقت الذي أكدَّ فيه آخرون ،أنهم رأوها تدخل صندوقاً، أُعِدَّ لها كقبر، في تلك البلاد البعيدة !
_______________