توأمة الفن والتراث

خاص- ثقافات

*د. سمر الشامسي

في ذات الوقت الذي تغزو فيه ثقافة الآخر المجتمعات العربية في الملبس، والعادات، والتقاليد، ينزوي الموروث الشعبي، وتغيب بعض العادات والتقاليد، وهو الأمر الذي يهدد بانقراض التراث الإنساني والفلكلور العربي الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من الثقافة والموروث الشعبي. وأمام ذلك الغزو لابد من أفكار جادة لإزالة الصدأ عن موروثنا وإعادة الاعتبار إليه.
في هذا السياق، أمسك بقلمي وفرشاتي مترجمة عن طريق الفن بالكلمة والرسم رغبتي في تصحيح النظرة تجاه تراث الأجداد في بلداننا العربية، باعتباري واحدة من عشاق التراث، وأحد الكوادر المعنية التي تشعر بالمسؤولية تجاه المحافظة على التراث وإحيائه من جديد في أذهان النشء والشباب حتى لا نفقد هويتنا وتهيمن علينا ثقافة الآخر ونشعر بالغربة في بلادنا.
فكثير من البلدان العربية تحتضن من المجسمات التراثية على أراضيها ما لا يتخيله عقل. فعلى سبيل المثال، تحتضن مصر الحبيبة نسبة كبيرة من آثار العالم، والمئات من المباني التراثية المصممة على طرازات مختلفة من ثقافات مختلفة سواء عثمانية أو إسلامية أو فرعونية أو قبطية، وضعها الحرفيون والفنانون بعناية لتُشكّل كيانات تراثية عملاقة.
وكذلك الأمر في كثير من الدول العربية التي تحتوي تراث الأجداد وتعبر عن الثقافات القديمة التي خلدتها أنامل الفنانين والمبدعين، وتغنت بها أقلام الكتاب والشعراء حتى صارت مناهج تدرس بكافة دور العلم وفي أرقى الجامعات العلمية على مستوى العالم، مما يؤكد توأمة الفن بالتراث والثقافة ويصور علاقة الزواج الكاثوليكي بينهما.
وقد كرس الفنانون جل جهدهم في صناعة التاريخ العربي القديم والمعاصر وترجمته على جدران معابدهم، ليشكل موروثاً تراثياً يعكس حضارات مختلفة، كحضارة بابل في العراق وحضرموت باليمن وكافة الآثار التراثية لدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية التي حظيت بالرعاية ووضعت نفسها في مصاف الدول التراثية الغنية بالثقافة والمثقلة بالحضارة وصدرت تراثها وحضارتها برقيِ وهي ساكنة بمكانها.
وفي بلاد الشام، يجد المرء تزاوجاً عبقرياً في المدن القديمة كدمشق وحمص وعكا وغيرها من حواضر العالم القديم. فقد كانت تلك المنطقة لوقت طويل ساحة لتأثيرات عديدة متناوبة وتنافس بين الفرس والروم اللذين فرضا ثقافتهما هناك قبل أن يأتي الفتح العربي الإسلامي على أيدي رجال شبه الجزيرة العربية الذين وصفوا بعرب الصحراء. وعندها نقل هؤلاء الفاتحون الجدد الموروثات العربية التي انتقلت وتزاوجت مع الثقافات والفنون القائمة، رغم الاختلاف فيما بينها في الشكل والطريقة، لتخرج بحضارة جديدة تجمع الذوق والمفاهيم وتوحد الثقافات المختلفة ضمن مذاق عربي خالد، مؤكدة مرة أخرى على مدى التوأمة بين الفن والتراث

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *