في الطريق إلى المدرسة

خاص- ثقافات

*عبدالله زغلـــي

مع بزوغ خيوط الفجر الأولى، يستقل علي دراجته الهوائية، في اتجاه المدرسة، التي ستستقبله  بعد التهام مسافة تفوق عقدا من  الكيلومترات.   كانت  الدراجة  في ملك والده، يتنقل بها بين الدوار ومقر عمله، كانت أطول من ساقي ” علي ” القصيرتين النحيفتين، تصرف والده تصرف الميكانيكي، فركس كرسيها ومقودها إلى أسفل. ومع ذلك كان ركوبها متعِـبا ومُضنيا .

تآكلت ساقاه، وأصبح لايقوى على المشي، أسعفته والدته، ببعض الحناء، بعدما دقتها، وغربلتها بعناية.

قدمتها له، وطلبت منه أن يذروها على المناطق الملتهبة، وانصرفت، لأنها تستحيي من ولدها..

كانت هذه الكلومترات يقطعها يوميا، ذهابا وإيابا، رفقة زمرة من أبناء  قريته  من مختلف الأعمار، وأثناء المسير كان يجد صعوبة في مجاراة سرعة تحركهم، يتناوبون على قيادة الكوكبة، يتباهون بذلك، ويسخرون من المتخلفين عنها.

يعلو صهوة دراجته الهوائية كل صباح في عز أيام القر، يشق ” مَرْجات ” الطريق المتربة، وقد تحولت إلى كتل زجاجية، يشطرها قسمين، وتتفتت قطعا صغيرة تُحدث شقشقة، وتتناثر تحت عجلتي دراجته، يعجبه ذلك الصوت المتداخل المتناغم، رغم الألم الذي تحدثه قساوة البرد، وصعوبة اجتيازها دائما بسلام.

داخل الفصل الدراسي، يفقد الإحساس بوجود أصابع يده، يهم بها ليحركها، فلا تستجيب، يحشوها داخل مباذله المبللة، يلتمس بعض حرارة جسده، فلا يشعر بها، يخرجها ثانية، يلصقها ببعضها، ويفركها بقوة، لاشيء يتغير.

يقسو عليه المدرس حين يعاقبه لأنه لايقوى على الكتابة، ويقسو على آخرين مثله، كان يحتاج إلى نصف ساعة أو أكثر، حتى تعود الحياة إلى أصابعه      ” تتنمل ” شيئا فشيئا، وتنتابه رغبة قاتلة في حكها على الطاولة، أو على جدار الفصل الدراسي.. لايقدر على فعل ذلك، لأن عيني المدرس شرسة لا تسهو ولاتنام  .

يخرج إلى الضاحية، غير بعيد من المدرسة، وقد أنهى الفترة الدراسية الصباحية ــ  تجاوزا ــ ، ليركن جسده النحيل إلى ” السدرة الكبرى ” التي تقيه بعض شر البرد القارس، وقد اعتاد أن يتخذ منها مطعما في العراء، كما هو شأن العديد من رفقته.

فتح ” زوادته ” التي لاتفارق مقود دراجته الهوائية ــ خاطتها والدته من قطعة ثوب خلق،احتفظت به لهذا الغرض ــ، أخرج قطعة خبز أنهكها القر، وبيضة مسلوقة كاد محتواها أن يتجمد، يلوكها بين أسنانه، وتأبى أن تتمزق، كأنه يمضغ قطعة جلد بقرة عجوز، ينهي العملية بمشقة، ويحس كأنه قد تنـاول    ” وجبة غذاء  ”  كما يتناولها الغير.

بالكيلوميتر 5، وهو عائد إلى منزله بعد انقضاء اليوم الدراسي، أوقفه الدرك  وكانت رؤيتهم، كافية لأن تزرع الذعر في النفوس، والضعف والهوان بالمفاصل ، والخرص بالألسن.

 سأله الدركي في جفاء عن أشياء، يعلم أنها غير موجودة ــ  الإضاءة، لوحة الترقيم، الواقي من الوحل…. ــ  فمُلاك هذه الآليات يومها، لايقدرون على توفير أي من هذه التجهيزات، أزبد الدركي وأرعد، سب وشتم، ومد يده إلى العجلتين، أفرغهما من الهواء، دفع بالدراجة وصاحبها إلى الأرض بعنف.

انتفض علي مذعورا، جذب دراجته بكلتي يديه، جرجرها، واصل طريقه مشيا على الأقدام، وهو يرتعد من شدة الخوف والبرد، يسرع الخطى  عله يصل إلى الدوار قبل أن يدركه الليل…..
_______
*المغرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *