الْحَلّ

خاص- ثقافات

*توفيق بوشري

هناك.. في المكان البعيد. أتخيل أني كنت أتذكره جيدا في زمن خارج سيرتي. أني كنت فيه قبل النطفة. أشير إليه بعينين براقتين ترنوان إلى شيء غير بسيط. إلى وجود مختلف ربما. لا أعرف. كل ما يهم هو أني اكتفيت من الانتظار ومن طرح الأسئلة البليدة المبتدئة بمتى أو كيف.. أحاول التركيز على سبابتي وهي تتوغل في احتمال مكتمل دون أن يكون معلوما، حتى لا يحدث فراق آخر. كنت أظن أن حوريتي الأولى ستكون مآلي، فشيدت لها نفسي جنة أبدية. ولكنها رحلت مع المهاجر إلى الجنة التي في عقلها الصغير. ثم اعتقدت أن العش الأزلي الذي أثته قشةً قشة سَيَفِي بالحياة الحقيقية رفقة الحورية في نسختها الثانية، إلا أن الأبد انتحر من جديد تحت سيارة ثري خطفها إلى عش ذهبي وثير. لا أريد أن أؤمن بالتجربة بعد الآن. لأن المكان المجهول موجود خارج طاقتنا الضئيلة على تصوره. لم أكن منتبها إليه. لأني كنت بعد فأر مختبر لا يستيقظ من أحلامه رغم الكوابيس اعتقادا منه أنها ستنتهي في لحظة ما. كنت مسكينا. سأسير إليه على غير هدى، لأن الطرق تؤدي إلى مدن ليس فيها سوى النهايات المتكررة البئيسة. سأسير إليه مغمض التوقعات، سأراهن على الصدفة كقاعدة. كما في مدينة الملاهي، عندما يبحر بك القارب في المسار العجيب. في كل مرة يظهر لك مخلوق غريب أو يفزعك شيء لا يكون على بالك. في المكان البعيد ليست هناك مدن ملاه. لأني لن أكون في حاجة إلى ترفيه ينسيني الخيبات والتعب. أتخيله مفتوحا دائما، لا ينغلق على أمنية تافهة. لأنه هو الأمنية التي ستجعل مني مخلوقا يؤمن بأنه لا يؤمن.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *