تقييد الكتابة في السرد تكبيل لحرية الإبداع

خاص- ثقافات

*العربي الحميدي

يقول الشاعر والكاتب هيرمان هيسه Hermann  Hesse  الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1946
(أنا لا أعتبر نفسي أقل جهالة من كثير من الناس، أنا قد كنت وسأظل باحث، غير أني وقفت لأستنطق النجوم والكتب، أنا قد بدأت أستمع للتعاليم التي يهمس بها دمي إلي).

وجهة نظر كاتب في الكتابة:
(الغنائية من العيوب المقيتة في القصة، وهي لا تعني سوي الحضور القوي لذات الكاتب وما يترتب عن ذلك من بوح وشكوى، فكلما أبعدت ذاتك نجحت قصتك، وحتى لو استعملت ضمير المتكلم لا تنس أبدا أنك تتقمص شخصية مختلفة عنك، و لا تكتب عن ذاتك. وأنك تستعمل ضمير المتكلم كحيلة سردية فقط للإيهام بحقيقة ما تسرده، لأن القارئ يهوى التلصص على حياة الكاتب الواقعية، ويقبل على القراءة إذا أوهمه بأن ما يحكيه لنا يطابق حياته. لكن ذلك مجرد حيلة سردية، فالسارد كائن من ورق أو من كلمات وقد يستفيد من حياة الكاتب كما يستفيد من غيرها من الحياوات، لكنه أبدا لا يطابقها، واعلم أن آخر ما يتمناه القارئ أن تحاصره في الزاوية الضيقة وتستفرغ عليه همومك واحزانك، بل يهمه ان “تعكس” له الحياة في تنوعها وتعقدها وعبثيتها.
واعلم اخيرا أن النزوع نحو الدرامية من خلال توظيف تعدد الأصوات وهو ليس سوى تعدد تصورات الشخصيات كفيل بإبعاد شبح الغنائية عن قصصك.)
أخذتني وجهة النظر هاته في رحلة متاهات  أيديولوجية  السرد الموضوعي التي تعمل على حفظ نظامها السائد، و السعي لبقاء  القوالب السردية الغنائية في القصة والرواية مختبئة في الخلفية. ومن أهدافها أيضا كذلك دعم وتقوية المجموعة التي ينتمي إليها القاص أو الروائي.
أعتقد ان رسالة الكاتب  قد  تكون تهدف إلى تنضيد مع توضيح الرؤيا المشتركة وتعزيز معتقدات مجموعة انتمائه.
انني أحترم  وجهة نظره  و أيديولوجيته السردية. لكن ما لا يستساغ في وجهة نظره هو توصيف الغنائية السردية بصفة (المقت) ناهيك عن اتهامها بأنها لا تعنى سوى بالحضور القوي لذات الكاتب وما يترتب عن ذلك من بوح وشكوى؛ وهذا فيه كثير من الحيف  والظلم.
ان من عيوب ايديولوجية السرد الموضوعي تعاملها مع النقد الأدبي في السرد على أنه دو طابع موضوعي في الاساس بالمقارنة مع الشعر الذي يتميز بكونه ذاتيا في الغالب و يستساغ فيه وصف الغنائية.
ان السرد الغنائي هو أحد أساليب السرد الحديث، الذي تكون فيه الغلبة للمادة المروية، وقد يخلو السرد من التأثر والصراع ووفرة الأحداث وتعقيداتها ما يسمى بالسرد الدرامي.
يقول الشاعر والكاتب هيرمان هيسه : (إن الرواية، بوصفها قصيدة غنائية متنكرة، هي عنوان مستعار لتجارب الروح الشعري و للتعبير عن إحساسه بنفسه وبالعالم.)
وبما أن القصة القصيرة و الرواية يمثلان ضربين متشابهين من ضروب السرد، و لا يوجد ما هو جوهري مما يمكن أن يميز بينهما، يمكننا إذا أن نوسع دلالة هذه المقولة لتشمل القصة القصيرة أيضا ً، فنقول أنها تكشف عن أمرين مهمين، الصلة الوثيقة بين الشعر و السرد الأدبي بنوعيه الرواية و القصة القصيرة في  الإمكانات الغنائية للسرد التي طالما أهملت و ازدريت لصالح الإمكانات الموضوعية.
يعدّ السرد الذاتي أحد أساليب السرد الفاعلة في العمل السردي في مواجهة ما يسمى بأسلوب (السرد الموضوعي) الذي يقدّم بضمير الغائب أو المخاطب أحياناً، و الأسلوب المختلط الذي يتراوح بين الأسلوبين.
إن خطاب السارد على مسافة مما يقوله  إلى متلق آخر مباشر أو غير مباشر. والمونولوغ تقنية سردية قد يستعملها القاص في روايته بغية تقديم المحتوى النفسي للشخصية وما يحمل في أعماقها. ويمثل في حوار الذات مع نفسها  و انفعالات الشخصية وهواجسها وما يظهر من تدفق في حوارها الداخلي.
تعد الشعرية السمة الغالبة في لغة السرد. لأنها تمزج بين الفضاء الشعري والفضاء السردي. مع لغة ذات تكثيف مجازي، تشبيهي واستعاري، تشخيصي. فضلا عن توصيف النغمة والخبرة الإيقاعية مع القدرة على تضمين السرد الكثير من الإيحاء والإيماء والرمزي  على وجه الخصوص الذي تتصف به لغة الشعر.
فشعرية اللغة في الرواية تعد خاصية اسلوبية بامتياز تتجلى عبر اللغة في مستوياتها التعبيرية والانزياح باللغة عن مستواها المعياري إلى جمالي فني. وهذا ما تخافه ايديولوجية السرد الموضوعي.
يقول تزفيتان تودوروف  Tzvetan Todorov الناقد الرائد (إن العمل الأدبي مصنوع من الكلمات). كما يقول أي ناقد يسعى إلى التعريف على قيمة اللغة في الأدب.
إن  تودوروف في كتابه “العجائبي” يحدد ثلاثة مظاهر أساسية للعمل الأدبي هي: المظهر اللفظي (أي وحدات الجمل التي تكوّن النص)، والمظهر النحوي (أي العلاقات التي تقوم بين العناصر البنيوية للعمل)، والمظهر الدلالي (أي ثيمات النص أو محتواه).
إنه لم يقيد الحرية الفردية في طريقة الكتابة والإبداع.
إن النص الأدبي يقاس فيه الإيداع  بحسب طريقته وقدرته على التأثير في  الإحساس والسيطرة على الروح القارئة. لا اهمية اقوال المبدع إنما المادة المتضمنة داخل إبداعه من  التناقضات والمضادات التي تطفو على سطح النص.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *