خاص- ثقافات
بشرى بن فاطمة*
حرصا منها على الاهتمام بالأصالة والتراث التونسي في عمق أريافه والتواصل الثقافي العربي واكتمال المحبة التي تبني جسور المعرفة وتُوغل في العمق الإنساني وتعالج فراغات الاختلاف وتنيرها لتصبح ميزات تُنثر بصدق في التراب، نظمت جمعية سنا سفيطلة بالتعاون والشراكة مع دار الثقافة بالعيون ومهرجان علي بن غذاهم للإبداع البدوي، الدورة الرابعة للمهرجان الدولي “تراثنا هويتنا” تحت شعار “ما نجدّد لا ما نتذكر” والذي كان هذا العام احتفالا بالقدس عاصمة فلسطين “القدس في البال” واحتفالا بشهر التراث، بالتنسيق مع وزارتي الثقافة والسياحة والمجلس الجهوي والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالقصرين.
وقد شهدت دورة هذا العام مشاركة ثقافية عربية من فلسطين الكاتب والشاعر روحي جرادات، من العراق الفنان والمخرج حيدر مجهول الإعلامي حسين الشوكي والشاعر فلاح الشابندر من الجزائر الناقد والشاعر نور الدين المبخوتي والشاعر الطيب كلفاح، من الكويت الكاتب والشاعر أحمد الزمام ومن لبنان مؤسسة متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية ممثلة في الإعلامية التونسية المكلفة بالتوثيق والاعلام بالمؤسسة بشرى بن فاطمة.
بمشاركة تونسية متنوعة تمثلت في الروائية التونسية فتحية الهاشمي، الشعراء يوسف رزوقة، نزار الحميدي، زبيدة العرفاوي، أيمن الهلالي، الطيب الهرشي، عمر غرسلي، سلوى الرابحي، محمد الهادي الجزيري، شمس الدين العوني وبحضور الروائي توفيق العلوي، ورئيس اتحاد الكتاب التونسيين صلاح الحمايدي.
وقد شهد الافتتاح تكريم المؤسسة الأمنية والعسكرية بتقديم عروض فنية شبابية بفضاء ساحة القوس الروماني وعرض ماجورات سبيطلة.
أما اللقاءات الأدبية فقد افتتحت بالقراءات الشعرية تخللتها المعارض الفنية لمجموعة الاعمال اليدوية للتراث التونسي والصناعات التقليدية ولوحات وصور فوتوغرافية لمتحف فرحات الفن من أجل الانسانية بمجموعة المستشرقين بتونس.
كما شهد الملتقى أنشطة مكثفة ميدانيا عرّفت الضيوف على المنطقة الأثرية الرومانية وأهم معالمها والمتحف الروماني حيث نظمت زيارات لمنطقة عين السلسلة الجبلية الخضراء وهي ضمن المناطق التي حاول الإرهاب السيطرة عليها ولكن بفضل جهود الامن والجيش عادت خضراء بكل خصبها وحياتها.
كما قدم المخرج العراقي حيدر مجهول بدار الثقافة بالعيون عرض لأربعة أفلام قصيرة عراقية اختزلت تفاصيل واقع وثقافة وزوايا نقدية عكست خصوصية البيئة العراقية.
كما عرض الفنان التشكيلي ومدير دار الثقافة بالعيون الأستاذ طارق البوغديري مجموعة لوحاته الفنية التي عكست البيئة التونسية والطبيعة ورموزها الوطنية.
وتم خلال حفل الاختتام تقديم عرض تونسي تراثي متنوع احتوى على الشعر والزجل الشعبي واسكتشات تمثيلية وأغاني تراثية بعنوان “الزردة” كما تمّ تكريم الضيوف والاحتفال بإصدار ديوان شعري جديد للشاعرة التونسية زبيدة العرفاوي “وردة واحدة تكفي”.
وقد أكّدت السيدة ضحى بوترعة رئيسة جمعية سناء سفيطلة وصاحبة فكرة المهرجان أن هذه اللقاءات العربية من شأنها “أن تمتن علاقات الصداقة والأخوة وهي تفتح لنا منافذ للمعرفة فنرى بعيون قلوبنا كل المدن العربية ونرسم صورة لتونس تكون أجمل بالمحبة خاصة وأننا خرجنا بالملتقى والنشاط من المدن المركزية وتوغلنا في الأرياف ولامسنا بساطة الانسان العادي وحمّلناه حروفنا بمجازها وأكسبناه فرح المعنى فلا وقت إلا للحياة والصدق بعيدا عن كل عتمة الخوف والتخويف وبتلك المبادرات نهزم الجهل والركود والإرهاب الفكري.”
كما عبر المشاركون عن فرحهم بهذه اللقاءات خاصة وأن أغلبهم يزور تونس للمرة الأولى وعن الملتقى
يقول الناقد الجزائري نور الدين المبخوتي “قيمة هذا الملتقى أنه يحتفي بالتراث في صيغ مختلفة أهمها الحرص على البعد العربي والتعريف بالتراث المغاربي المتنوع وهذا هام لأنه من شأنه أن يتجاوز كل الحساسيات الثقافية خاصة وأن تنظيم المهرجان واختيار الضيوف كان على مستوى عال من الدقة والانتقاء المتنوع جمع الفنون البصرية والأدب والنقد والشعر وهذا يعكس وعي وتماسك القائمين على الفعل الثقافي، كما أن الملفت هو المشاركة التونسية بتنوع أسمائها”.
الشاعر الفلسطيني روحي جرادات اعتبر أن المميز في مثل هذه الأنشطة هو ابتعادها عن بروتوكولات الملتقيات العادية فهي مواسم تحتفل بالمحبة والانسان إذ لا يمكن أن “أتجاوز ذلك الفرح الدافق بالأمل بالنور وأنا أصافح كل سكان تلك المناطق النائية وأفرحهم بحضوري لمجرد أني فلسطيني خاصة وأني لامست أن لفلسطين حبا يرشح ألما وأملا في كل مكان في تونس، إن هذا التثاقف هو الفرح إن هذه الأحاسيس الصادقة هي التواصل الحقيقي مع الأرض والتراب فكم تشبه تونس فلسطين في طبيعتها تونس التي تحمل أبعاد الخير وتفسير السؤال من يدخلها فهو آمن ومن يغادرها يخطر بباله السؤال متى أعود كأنها تنثر عبق التاريخ المعتق فتسحر من وطأت قدماه أرضها، الانطباعات الجميلة تحرك حالة الحب والأثر الجميل يدوم في الذاكرة على نحو راسخ تماما كلحظاتها المثيرة سبيطلة تستنبط الشعر والتراث والجمال والحب من نبتة تنمو تحت صخرة تستظل خيال القصيدة.”
أما الكاتب الكويتي أحمد الزمام فقد أشاد بالتنوع الثقافي وأهميته عربيا لكسر حواجز المسافات التي تحمّل الحروف مدارات المعرفة والاكتشاف، فهو يرى أن الثقافة محرك كبير لأفكارنا ومحفز لتجددها تخلق بوصلها قربا وتبادلا إنسانيا صداه محبة وفكرة وعطاء وإنجاز خاصة وأن لتونس أثرها الجميل ثقافيا وتنوعها الثري الذي يخلق ألفة ومحبة.
الكاتبة والروائية التونسية فتحية الهاشمي تقول عن مثل هذه الملتقيات “إن التواصل الثقافي سواء كان محليا عربيا أو دوليا من شأنه الارتقاء بالذات وخلق التنوع خاصة إن كان الآخر يتمتع بالنقد والبحث كل هذا يخلق التطوير ويلامس القيم جماليا إنسانيا، فنحن نحلم بوطن واحد يحتوينا بمزيجه المتنوع إحساسا فهما إدراكا فجميل أن تسمع اللهجات بفرحها مرحها وشجنها وتلتقط الصور المشرقة بواقعها املا في حياة أجمل جديرون نحن بها والاجمل أن تحمل كل هذا إلى أبناء الريف والمناطق البعيدة فتبدأ مواسم الفرح في عيونهم”.
المشاركة العراقية تميّزت بتنوع الصورة الشعرية السينمائية والإعلامية فالمخرج حيدر مجهول أشار إلى أهمية مثل هذه الملتقيات في بعدها الثقافي كتبادل يقرّب ويخلق الألفة والتواصل المرن إضافة إلى التعرف على اكتشافات جديدة من شأنها ان تثري المعارف الفنية والإنسانية فالعادات والسلوكات تتشابه وتتقارب في مبدأ التعاطي مع فكرة البقاء والأرض والحياة التي تجتمع على المحبة.
تراث تونس ورؤى الفنانين المستشرقين
من خلال مجموعة متنوعة من الصور الفوتوغرافية والأعمال الفنية عن تونس لمستشرقين من فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، تعود تقريبا إلى سنة 1850 تعتبر توثيقا بصريا لمميزات الحياة في تونس وملامح الطبيعة شارك متحف فرحات الفن من أجل الانسانية مسلطا الضوء على مجموعة يصل عددها إلى200 عمل من صور ولوحات عكست التراث والثقافة والتنوع التاريخي والبشري والطبيعي.
إذ تميزت أعمال المستشرقين الفنية عن تونس بالدقة والثراء الطبيعي وبالوضوح، فكل صورة من هذه الصور سواء التشكيلية أو الفوتوغرافية تسرد تفاصيل الماضي وتحاكي ذلك الواقع من خلال أسلوب الحياة والتفاصيل التي قد تظهر بسيطة في زمنها لكنها مع مرور هذه العصور تعتّقت لتصبح إرثا ووثيقة غارقة في التاريخ وصفت العادات المتنوعة والهوية الراسخة لتونس.
فهذه الأعمال نجحت في أن تبرز مشاهد مميزة للحياة اليومية والنماذج البشرية المتنوعة، صورت ملامح المجتمع واهتمت بالمعمار وبكل التمازج الطبيعي والبشري الذي منح هذه الصور قيمة فنية ذات أبعاد جمالية تاريخية تستوقف المشاهد لتخلق داخله اهتماما مفعما بالحنين لذلك الماضي.
وتعتبر مشاركة “متحف فرحات” في هذا الملتقى قيمة للتعريف بالمتحف الذي يحمل شعار الانسان والإنسانية والتنوع والعمق والتراث والنضج الفني وكذلك خلق جسور التواصل لفرض الثقافة البصرية.