خاص- ثقافات *د. عريب محمد عيد عندمَا ترتاضُ النّفسُ فِعلَ الثّقةِ بالذّاتِ سَيرورَة في أفعالِها؛ قد يصدرُ مِنْها ما يَستبيحُ وجهَ هذا الثّباتِ في شخصِ صَاحِبها، فيرتدُّ الأثرُ عكسيًّا من قِبَل لا يَحسبُ أو يَروم؛ فقد حدثَ أنّني قُذِفْتُ بعبارةٍ جَرئيّةٍ من طالبةٍ سَارعتني بردٍّ قاسٍ في نهايةِ محاضرةٍ ألقيتُها أمامَ جمعٍ غفيرٍ من الطّلبة؛ إذْ قالتْ: "إنّكِ لا تستحقّين أنْ تكوني أستاذةً جامعيّةً"؛ وذلكَ في مُحاولةٍ مِنها للدّفاع عمّا تبّقى من صُورتها؛ كي لا تتهشّمَ تمامًا أمامَ الحضور- فقدْ أحرجتُها باتّهامِها بسرقةٍ علميّةٍ لبحثٍ قدّمَتْهُ لي دونَ ثوثيقٍ أو أمانةٍ في النّقل - وما كان منّي إلا أنْ حَدجتُها بنظرةٍ حركيّةٍ أحرقتْها ندَمًا وأسالتْ عَينيْها نَهرًا. وبعدَ عَامٍ، انتقلتُ للعمل في جامعة أخرى، وقد استأذنتنِي مُحَاضِرةٌ أمامَ عضوات قسم اللّغة العربيّة بأنْ تقدّمَ لي تعليقًا على عَملٍ قمتُ به أخذَ مِني وقتًا وجُهدًا، لتفجأني بنقدٍ ساءني ولعلّه نال ممّا وضعتُهُ من أملٍ وثقةٍ بما أنجزت، حِينَها لمْ أنبس ببنتِ شفة، ليسَ قصورًا أو تجَاهلا؛ لكن استنكارًا واستذكارًا لِما قدّمتُ من قولِ الطّالبة. استوقفني كلا الموقفين بعدَها تأمّلا وتفكّرًا؛ لأجدَني المُخطئة مَع الطّالبةِ لا هيَ؛ ولأجدَ الأخرى المسيْئَة لا أنَا، فقدْ تخذلُ النّفسُ الواثقةُ صَاحبَها، عندمَا تستدرجُه لنقدٍ انبثقَ مِنْ قوّةٍ أو سُلطةٍ أو حَاجةٍ نفسيَّةٍ يريدُ إشباعَها إيجابًا أو سَلبًا، فبعضُ حُسْنِ ظنِّ الفردِ بنفسهِ ومَا يصْدرُ عنْهُ قد يغشّي عَينيهِ؛ فيجعلهُ ينزلقُ ويسيءُ من قِبَلِ يعلمُ أو يجهلُ، لقد تعلّمتُ ممّا مرّ: ألّا أنقدَ أحدًا مِن عَلٍ؛ فأهْوي، وألا أفجَأهُ مُهاجمًا بسهْمٍ؛ فيرتدّ إليّ، وألا أجرحَهُ بفعلٍ أو قولٍ؛ فينال من علاقتي بهِ، وألا أقدّمَ لهُ النّصحَ في جَمْعٍ؛ فتتساقط حَسناتِي بينَ يديهِ فرادَى وزُمرًا، وألا أرفعَ قدْرَهُ وهُوَ لا يَستحقّ؛ فأغدو مُنافقة، وألا أهبطَ بهِ وهوَ يعلو؛ فأبدو حَاسِدة، وألا أسِيءَ انتقاءَ الوقتِ؛ فيتلاشَى الزّمنُ المَاضِي الّذي جَمعَنا ويَتبعثر الباقِي، وألّا أختارَ الموضِعَ المُسيءَ؛ فتميد الأرضُ بينَنا تفرقة واتّساعًا، وألّا أقدّمَ الأمرَ بأسلوبٍ مستفزٍّ ينالُ من الآخر أو يَجرحهُ، فيُحْدِث فيهِ عَطبًا قد لا يندمِل، ويوسِّع هوّة قدْ لا تلتئم، وأخيرًا رأيتُ ألا أستهينَ بالنّيّةِ المُضمَرةِ: الحَسَنةِ تقدَّمُ بمراعاةِ الحَالِ والمقام والنّهج والمكانِ والزّمان والحُضورِ، فيزهر نتاجُها ويُثمر، والسّيّئةِ الّتي لا تراعي مَا تقدّمَ؛ وليسَ لها غايَة فُضلَى؛ فهيَ تَرْجِعُ بغايتها الدّنيا إلى بَهوِ مُبطنِها خَائبَة لا بَواكيَ لَها.