حَوْلَ الحبّ؛ إعادة إكتشاف الرومانسيّة في عصرنا للفيلسوف الأمريكي روبرت سولومون (1)

 *لطفية الدليمي

 

 روبرت سي. سولومون Robert C. Solomon

    ( 14 أيلول ( سبتمبر ) 1942  – 2 كانون ثانٍ ( يناير ) 2007  ) : أستاذ فلسفة أمريكيّ عمل لسنواتٍ طويلة أستاذاً للفلسفة في جامعة تكساس ( أوستن ) .

   ولِد سولومون في مدينة ( ديترويت ) بولاية ميتشيغان الأمريكية ، وكان والده يعمل محامياً أما والدته فكانت فنّانة ، وقد ولِد بفتحة ولادية في القلب ولم يكن يظنّ أحدٌ ان الحياة ستمتد به طويلاً بعد البلوغ لكنّه مضى بعزيمة في مسيرته التعليمية المثابرة حتى حصل على شهادة البكالوريوس في البيولوجيا الجزيئية Molecular Biology من جامعة بنسلفانيا عام 1963 ، ثم إلتحق بجامعة ميتشيغان لدراسة الطبّ لكنه عزف عنها فيما بعد وتحوّل نحو الفلسفة والسايكولوجيا فحصل على شهادة الماجستير في الفلسفة عام 1965 ثم أعقبها بشهادة الدكتوراه عام 1967 .

     تبوّأ سولومون مواقع تعليمية عدّة في الكثير من الجامعات المرموقة مثل : برينستون ، كاليفورنيا ( لوس أنجيلس ) ، بيتسبرغ ،،،،، ومنذ عام 1972 وحتى وفاته في 2007 ظلّ سولومون أستاذاً متمرّساً للفلسفة بجامعة تكساس ( أوستن ) وعضواً في أكاديمية تكساس للمدرّسين المميّزين .

     تمتدّ اهتمامات سولومون على طيف واسع من الموضوعات إبتداءً من الفلسفة الألمانية في القرن التاسع عشر ( وبخاصة فلسفة هيغل و نيتشه ) ومروراً بالفلسفة الأوربية في القرن العشرين ( وبخاصة الفلسفة الظاهراتيّة Phenomenology والفلسفة السارتريّة ) ، إلى جانب إهتمامات سولومون الفلسفية الأخرى في مباحث الأخلاقيات و فلسفة العواطف . يعرَفُ عن سولومون أيضاً أنه نشر أكثر من أربعين كتاباً في الفلسفة ، كما كان كاتباً غنائياً ، وظهر في فلم ( إيقاظ الحياة  Waking Life ) عام 2002 وهو يناقش الأهمية الحاسمة للوجودية في العالم مابعد الحداثيّ .

     طوّر سولومون نظرية إدراكية خاصّة تغدو فيها العواطف – مثل القناعات الأخرى للمرء – عرضة للإطراء والتعديل العقلانيّيْن ، وكان مهتمّاً إهتماماً خاصاً بفكرة ( الحبّ ) وجادل في هذا الشأن بالضد من الفكرة السائدة بأنّ الحب الرومانسيّ حالة ملازمة للكينونة البشرية ، وعرض بدلاّ من هذا فكرته القائلة أن الحبّ الرومانسي أحد منتجات الثقافة الغربية ، ثمّ حصل أن لقي هذا المنتج الثقافي شيوعاً وإنتشاراً جمعياً وعلى نحوٍ بات معه منتجاً عالمياً في نظر الكثيرين . الحب – في رؤية سولومون – ليس معطىً كونياً ذا خصائص سكونية بل هو عاطفةٌ عرضة لتقلّباتٍ كثيرة وحاله في ذلك لايختلف كثيراً عن حال العواطف الأخرى مثل الغضب والحزن العميق .

     عُرِف عن سولومون محاضراته المتميّزة عن كيركيغارد ، نيتشه ، سارتر  والعديد من الفلاسفة الوجوديين ، ويُروى عنه وصفه في إحدى محاضراته لواحدةٍ من أهم تجاربه الشخصية عندما كان لايزال يواصل دراساته الطبية في جامعة ميتشيغان : كان سولومون غير سعيدٍ بدراسته الطبية ولطالما إبتغى شيئاً مختلفاً تماماً عنها ، وحصل يوماً أن إنضمّ إلى محاضرةٍ للبروفسور فريتجوف بيرغمان Frithjof Bergman الذي كان يتحدّث عن أمر – لم يكن لِسولومون سابق معرفة به – بشأن العودة الأبدية Eternal Return : ناقش بيرغمان ذلك التساؤل الأساسي الأكثر جوهريةً أبد الدهور ( لو مُنِح المرء الفرصة في أن يعيش حياته بلا نهاية عبر سلسلة متتابعة من العودة المتواترة وبطريقة يُجبَرُ معها على تجرّع كلّ الآلام والاحزان التي ينطوي عليها الوجود ، فهل سينتهي ذلك المرء إلى اليأس المطبق أم سيركع خاشعاً على ركبتيْه مُبدِياً آيات الشكر والعرفان تجاه فضيلة العودة الأبدية التي أغدقها الزمان عليه ؟ ) .

     انهار سولومون وتوفّي متأثراً بفرط الضغط الرئوي في 2 كانون ثانٍ ( يناير ) 2007 في مطار زيورخ بسويسرا ، وينبغي التذكير هنا أنّ زوجته هي الفيلسوفة  كاثلين هيغنزKathleen Higgins التي إشتركت معه في تأليف كتبٍ كثيرة ، وتعمل هي الأخرى أستاذة للفلسفة في جامعة تكساس ( أوستن ) .

     مثلما مرّ علينا من قبل فقد ألّف البروفسور سولومون مايربو على الأربعين كتاباً ، وأدناه بعضاً من أهمّ مؤلّفاته :

–  الوجوديّة ، 1974 .

  • Existentialism (McGraw–Hill, 1974)

–  العواطف ، 1976 .

  • The Passions (Doubleday, 1976)

–  التأريخ والطبيعة البشرية : مراجعة فلسفية للفلسفة

   والثقافة الأوربية في الفترة ( 1750 – 1850 ) ، 1979  .

–  في روح هيغل ، 1983 .

  • In the Spirit of Hegel (Oxford, 1983)

–  من هيغل إلى الوجوديّة ، 1987 .

  • From Hegel to Existentialism (Oxford, 1987)

–  فلسفة الحبّ ( الإيروتيكي ) – مع كاثلين هيغنز – ، 1991 .

  • The Philosophy of (Erotic) Love, with Kathleen M. Higgins (University Press of Kansas, 1991)

–  الأخلاقيّات والفضيلة ، 1992 .

  • Ethics and Excellence (Oxford, 1992)

–  الثقافة المتغوّلة : التنوير ، الرومانسيّة ، و الذريعة المفارِقة في الفترة ( 1750 – 1850 ) ، 1992 .

سأتناول في القسمين التاليين ترجمة لجزء من المادة الإفتتاحية لكتاب سولومون الموسوم ( حول الحب : إعادة إكتشاف الرومانسية في عصرنا ) .

___________

   أظن اليوم أنّ الحب  استحال تجريداً خالصاً … الروح غدت موضعاً للجنس ، وغدا الجنس موضعاً للسياسة .

     إذا كان مرجوّاً لمجتمعنا أن يشفى ، علينا أوّلاً أن نعيد العافية لفكرة ( الحبّ ) ذاتها ، لكنّنا لايمكنُ أن نمعن في العودة إلى المُثُل الأفلاطونية والمسيحية المبكّرة بشأن الحب لأنّ البيولوجيا ( علم الأحياء ) والعلم الحديث أحدثا تغييراً طال كلّ شيء . ينبغي على الشعراء والفنّانين والموسيقيين وكلّ هؤلاء الذين يمثّل الخيال جزءً من عدّة عملهم أن يجدوا صورة جديدة للحبّ ، وتلك هي المسألة الأكثر أهميّة ، ولو فشلنا في إيجاد تلك الصورة فإنّ حياتنا ستمضي في طريقها لتستحيل ( صحراء قاحلة ) لامحالة . ينبغي علينا إعادة إكتشاف الحب ………………..

 

                                       أوكتافيو باث

                       عن محاورة في مجلّة ( نيوزويك )

                      19 تشرين ثانٍ ( نوفمير ) ، 1979

 

                           

                                تمهيد

 

          إنّ ما سنتابعه في الصفحات التالية هو مقالة ، أو دعنا نقل أنه محاولة ” شخصيّة ” فحسب ، وليس بأي حال من الأحوال دراسة أكاديمية أو مبحثاً علمياً ، وهي تمثّل نوعاً من كفاحٍ ذاتيّ بعيداً عن أيّ بحث مخبريّ أو نظرية سوسيولوجية ( مجتمعيّة ) أو ضغطٍ بإتّجاه الإنحياز نحو أي توجّهات أخلاقية . حاولتُ في هذا العمل – من غير أن أصيب نجاحاً كاملاً بالطبع – تجنّب الكلام المُسهَب ، و التذاكي ، و الجاذبية الفاتنة المصطنعة ، والمعرفة المأسورة بالتباهي ، والحجج الفلسفيّة المعمّقة وماشاكلها من الإلهاءات المُربِكة على الرغم من أنّني لاأستطيع كبح الإعتراف بشيئ من الشعور الذي يخالجني والذي أشعرُ معه كمَنْ يقف عارياً من غير دعم تلك الوسائل التي لطالما خبرتُها في حياتي . إنّ إستنتاجاتي التي إنتهيتُ إليها في هذا الكتاب هي الأخرى شخصيّة وعملية تماماً وليست أكاديمية أو علمية برغم أنّني أعملُ حقّاً على تطوير ( نظرية عن الحبّ ) في سياق آرائي هنا . إنّ أطروحتي ، وبإختصار شديد ، هي أنّ الحب موضوعة أكثر عمقاً وأساسيةً لكينونتنا البشرية وعلى نحوٍ أبعد غوراً بكثير ممّا نذهب إليه في أحاديثنا المتواترة عن الحب ، كما أرى أنّ الحبّ يكون في أفضل أشكاله عندما نتعهّده بالرعاية والتهذيب ونرتقي به من طور ” الصداقة ” المجرّدة فحسب بدلاً من ذلك الحبّ الجارف المدفوع بطاقة عظيمة وبفعل دفع قوّة شكلٍ من أشكال التفجّر الأوّلي البدائي للعاطفة . تضمّ اطروحتي في هذا الكتاب أيضاً رؤية ترى أنّ الحبّ يرتقي ويغدو أفضل مع الوقت بدلاً من أن يناله الخفوت والإنطفاء مثلما نخشى معظم الأحيان .

     بعد انتهائي من كتابة هذا الكتاب أرى نفسي مصدوماً قبل كلّ شيئٍ لفرط ماأنفقتُهُ فيه من ذكاء وتجربة ومشاعر جيّاشة – إلى جانب الإجتهادات السيئة في بعض المواضع ايضاً – وأمورٍ أخرى كانت خليقة بوصولي إلى إستنتاجاتي تلك .

     ساهم الكثير من الأصدقاء والمؤلّفين في أفكار هذا الكتاب ، ولكنّ منْ أحسبه منهم مُستحقّاً لتنويهٍ خاصّ به هو كلّ من :  أنجيلا كوكس  Angela Cox ، بيتي سو فلورز Betty Sue Flowers ، كارولين ريستاو Carolyn Ristau ، بول وودرف Paul Woodruff ، سوزان تايسون Susan Tyson ، شاري ستاريت Shari Starrett ، إرفينغ سنغر Irving Singer ، جين إيساي Jane Isay ، فيليس غرين Phyllis Green ، وإلى محرّرة أعمالي في دار نشر سيمون و تشوستر لوري ليستر Laurie Lister ومساعدها سكوت كورنغولد Scott Corngold ، كما أتوجّه بشكري الخاص إلى كلّ الطلبة المشاركين في حلقتي الدراسية الخاصة بالإنسانيات لعام 1985 ، وكذلك إلى كلّ الّذين يحملون أفكاراً ( ذات لونٍ واحد ) خاصة بهم عن الحب أينما كانوا في هذا العالم .

______________
*المدى

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *