رباعيّة بلاد ما وراء الحاجز

خاص- ثقافات

*د.إيهاب بسيسو

-١-
في بلاد ما وراء الحاجز
البلاد التي لك …
المقتطعة من نص الجغرافيا ورغيف الخبز
بنصل تصريح مرور عسكري
وخوذة
وبندقية جندي
يقف متكاسلا كطاووس منبوذ
ألقته الريح أمامك بألوان داكنة
كأنها مزيج دم وخوف وغطرسة غامضة تحفر جرحا عميقا في مسام الوقت …
تعيد اكتشافك في خروج مؤقت من البئر …
كي تقصص رؤياك على أشقاء يبحثون عن ضوء النجاة من العتمة …
حيث الوقت مزيج انتظار وذاكرة …
كأنك تحررك من موت مجازي في صورتك الغائبة …
تعيد ترتيب مفرداتك اليومية دون ارتباك في اللغة
أو المشهد …

-٢-
في بلاد ما وراء الحاجز …
البلاد التي لك …
تصطحب تفاصيل وقت حفظته الذاكرة في الرواية
كسيدة عجوز …
أتقنت القص والحكاية على أطفال الحي
فكبروا في مرآة يوميات بعيدة
أذابتها الريح في تجاويف التلال
لكنها نمت مرة أخرى عشبا وشجيرات …
وحكايات سيدة لم تغب عن التفاصيل …

كأنك تتبع مسار الحكاية
تحرر الأمكنة من سياج الوقت …
تستعيد فرحا عتيقا
خوف أطفال من دوي بعيد
عبق أشياء صغيرة في صرة قماش
وحقيبة …
تضخمت طرقا ومخيمات ومسافة …
كأنك تستعيد كل شيء دفعة واحدة
الشجيرات التي عادت بيوتا …
الأطفال الذين صاروا مدنا وبلادا وعائلات
الصوت الذي يحياك
ويقترب منك مشرعا فضاء يمتد لعفوية أحلامك الصغيرة
حين تلامس الصدى …

-٣-
في بلاد ما وراء الحاجز
البلاد التي لك …
دون قلق من اضطراب المسافة بين أبراج الحراسة
وفوهة جدار تندلق منها صيحات هلع: قف …

لا تقف …
ينساب الحلم – الوقت …
فتيا كطفل الانتفاضة الأولى
المندفع كنشيد عبر مكبرات الصوت في التظاهرات اليومية …
ترى الطريق الممتد نحو الميدان …
حيث الجنود المرهقون من لعبة الانحشار في ناقلات عسكرية ضيقة مرتبكون أمام إطار مشتعل
وعلم على أسلاك الكهرباء …
يبحثون عمن ينقذ ارتباكهم من مفردات غضب فتي …
يصرخ أحدهم :قف …

لا تقف …

هم ذات الجنود الذين يحتلون الذاكرة
ذات الخوذات
والوجوه حول البنادق
ذات الصراخ …
مع تعديل طفيف على أدوات الحرب والتكنولوجيا …

لا تقف …
يهتف الصوت البعيد …

وتستمر …
جسدا وفكرة …
حلما …
يسبقك راكضا فيما الجنود يدققون في تصريح المرور والهوية …
لا شيء في الانتظار سوى وقت ثقيل يمر كمخيمات
ومدن تفيض بالشهداء …
ودوي قذائف كأنها تعوي في فم جندي يصرخ في الواقفين …
كأن الوقت أمام الحاجز بلاد ترتق أنفاسها من جرح قذيفة
ودوي …
تمر أمامك صورتك المتجددة
ويمرون مثقلين بصدى الانفجار
وذاكرة لا تغيب عن راحلين غابوا ولم يغادروا المشهد …

-٤-
في بلاد ما وراء الحاجز
البلاد التي لك …
تمر عن غيابك الحاضر فيك أسماء وشعرا وصورا ووصايا …
وذاكرة يوميات أتقنها الغرباء في المنفى …
بين صور تآكلت أطرافها في ألبومات الصور …
وبقايا أغنيات الأفراح
ومواسم الحصاد …

كأنك لم تكن بحاجة إلى وعود أو خارطة تدلك على الطريق …
كأنك تحفظ درب حكايتك دون دليل …
كأنك نجوت من التيه حين عدت إليك كي تلقاك …
كأن البلاد التي وراء الحاجز
غرست في عمق جسدك البوصلة ..

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *