خاص- ثقافات
*مرزوق الحلبي
متى يُنصبُ الميزانُ سألتكَ يا إمامَ الزمانِ
أسئلةَ الَّذين لَمْ يُمهلهمْ الوقتُ،
ولا الدولةُ العُظمى، ولا الوحشُ الذّي ربّته على غازِها
وأسئلةَ الَّذينَ عرفناهُم من موتِهِم
وأسئلةَ الَّذين تَرَكُوا أسماءَهَم أمَانةً بيْنَ أيدينَا
وأسئلةَ الَّذينَ أفلتتْ وجوهُهم من لُغتِنا
سأسألك يا إمامَ الزمانِ،
لماذا مثلا غِبتَ في اللحظة التي نادتك فيها الأمّهات أن تحمل عنهن أبناءهن ريثما يمتنَ؟
ولماذا رأيتَ ما رأينا في الغوطةِ مثلا فأدرتَ الوقتَ إلى مُبتغاك؟
رأيتَ الأجسادَ الهزيلةَ في بابِ كلِ نجمةٍ،
ورأيتَ دُمى الأطفالِ تخطفها الطائرات وتتوارى في ليلكَ أنتَ،
فلم تُعِد دميةً واحدةً إلى طفلٍ ميّت؟
ورأيتهم وهم يضبطون الصاروخ على موعد الرضاعةِ،
ورأيتهم وهم يعبئون الغازَ في الصفائح لوجبة العشاء،
فأشحتَ بوجهِكَ كمجلس الأمنِ؟
سأحاصركَ بالأسئلةِ يا إمامَ الزمانِ
كي لا تنسلّ كما انسللتَ تلكَ الليلةِ إلى خلوتكَ،
رأيتهم يسدّون الزنازين بالباطون كي يضمحلّ الصوتُ والصورةُ
ويرمون بالمدائن في هوة الزمن السحيقةِ،
ورأيتهم يحرمون كل واحدٍ من ثانِيهِ،
ويفصلون الأجساد عن الأرواح بعباءة الفقيهِ
ورأيتهم يُطلقونَ على الغيوم كي لا تمرّ
وعلى الثلجِ كي يقسوَ عَلى ساكِنِي الخِيامِ،
ورأيتهم يجرّون الجثثَ بعد تعفيشها،
رأيتهم يا إمامَ الزمانِ كما رأيناهم، فلماذا لا تُريحنا من عِظاتِك أيام الجمعةِ؟
رأيتَ يا إمامَ الزمانِ ما رأينا،
فلِماذا لم تقطع ترانيمك أيامّ الأحد،
وصمتكَ أيام السبتِ!
رأيتَ يا إمام الزمانِ ما رأينا،
فإما إنّك لستَ هنا
وإمّا أنك كمجلس الأمنِ
كأي دولةٍ عُظمى،
كأيّ طاغيةِ
كأي قناصٍ
كأي شبيحٍ
كأي شبَح!
لو كنتَ الآنَ مكانِي لملأتَ الكوْنَ أسئلةً؟
لو كنتَ الآنَ مَكانِي لَمَا آمنتَ بكَ!
وهل ينبغي أن تُصيبنا بكلِّ هذا الموتِ كيْ تجيءَ الساعةُ؟
وهل ضرورية هذه الميتات كلّها كي يُنصبُ الميزانُ؟
وهلْ بعدَ هذَا الموتِ مِنْ جهنّمٍ؟
كنتُ يا إمامَ الزمانِ مستعدّا لفهمِ كلِّ ما قدّرته لنا،
وكلَّ ما قدرتَ عليه من أعاجيب
لكنني يا إمامَ الزمان، أسألك بضميرك الفطري،
هل نستحقّ منك فوقَ الخرابِ جوْقَةَ الأنْذالِ هذِهِ تُبرّرُ الموتَ،
أو تُعدّ لَهُ الزينةَ وسِفاحَ العقائدِ البائدةِ؟
فارحلْ يا إمامَ الزمانِ على خصومةٍ
ولا تعُد،
“برسونا نان غراتا”، ضيف غير مرغوبٍ فيه بكلّ لغات الأرضِ والسماءِ
(دالية الكرمل 8 نيسان 2018)