خاص- ثقافات
أعلن محمد العاني، المدير العام لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، عن تأسيس وحدة متخصصة في دراسة الظاهرة الجهادية، التي ستعمل على تجميع كل الوثائق والمصادر والمعلومات الجديدة والقديمة، وذلك بغية فهم التطرف والإرهاب، والسعي إل محاربته بالاعتماد على الفكر.
جاء ذلك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الذي تنظمه مؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث” ومعهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا بإسبانيا، حول موضوع، “”ما بعد داعش”؛ التحدّيات المستقبلية في مواجهة التطرّف والتطرّف العنيف”، على مدى يومي 6 و7 أبريل (نيسان)الجاري بمدينة مراكش، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والخبراء والباحثين المختصين من أوروبا، والعالم العربي، وإفريقيا، والولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف العاني في هذه الجلسة الافتتاحية أن مؤسسة مؤمنون بلا حدود تقوم منذ سنة ونصف على دراسة وتحليل ظاهرة التطرف الديني والإرهاب، وأنجزت العشرات من الدراسات والأبحاث والترجمات المتخصصة في الموضوع، مشيرا إلى أن المؤسسة تعتزم القيام بدراسات ميدانية، وإطلاق برنامج توثيقي للظاهرة الجهادية، يضم 3 ملايين وثيقة مرئية ومسموعة من منتصف ستينيات القرن إلى الآن، تتعلق بالحركات الجهادية، والشخصيات المؤثرة فيها، من مواقع ومنتديات التواصل الاجتماعي، كما أن هذا البرنامج يشتمل على وثائق خاصة تعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لجهاديين سابقين.
وأوضح أن المؤسسة تعمل حاليا على أرشفة هذه الوثائق، التي ستكون مستقبلا في متناول الباحثين المشتغلين على الموضوع، مؤكدا أن مجموع ما قامت به الحركات الإرهابية يتجاوز بكثير الوثائق المدروسة، وأن هذه الظاهرة الإرهابية ما زالت عصية على الفهم، ليس بسبب الظاهرة نفسها، ولكن لغياب المصادر الكافية، والتنسيق المتكامل والمثمر في الاشتغال على هذه الظاهرة مع مجموعة من الجهات والبلدان المعنية بهذا التهديد المحدق بأمن الدول واستقرارها، وتعارض المصالح والأجندات الخاصة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى حدوث ارتباك كبير، وعدم إلمام بنطاق الإرهاب والبيئة الحاضنة له.
وأكد العاني أن المشكل الكبير الذي نعيشه اليوم في البلدان الإسلامية يتمثل في “الهوس بالأسلمة”، الذي تقوده جماعات الإسلام السياسي، والسلفيات، حيث تطغى الأسلمة على جميع مناحي الحياة، ويطغى التعصب والتطرف، وهو ما يؤدي، برأيه، إلى التأسيس للمنظور العبثي للإنسان، الذي يحوله إلى مجرد آلة تخدم الإرادات العليا، منبها إلى التعاطي المستهتر بكرامة الإنسان العربي، والانحرافات الخطيرة للحداثة، التي حولت الأسس المتينة التي تنهض عليها الحضارة الغربية إلى نقاط ضعف تستغلها الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
وأضاف العاني، أن المؤسسة تثمن جهود المغرب في مكافحة التطرف والإرهاب، وخاصة ما يقوم به المكتب المركزي للأبحاث القضائية من عمليات استباقية تدحر الإرهاب في المهد، متمنيا أن تنهج كل البلدان العربية وفي العالم، تلك الخطوات والمبادرات المهمة التي يقوم بها المغرب في سبيل القضاء على الإرهاب والتطرف.
ومن جهته أكد محمد بنصالح، مدير معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا بإسبانيا، أهمية انعقاد هذا المؤتمر في ظرفية دقيقة تتسم بالاندحار الميداني لتنظيم داعش، مع استمرار الأيديولوجية الداعشية، ومحاولات بقايا التنظيم للتمدد إلى جغرافيا الساحل والصحراء والمغرب الكبير، ووزيريستان، مبرزا الحاجة إلى نموذج تفسيري جديد لفهم الظاهرة ومكافحتها، ومشيرا إلى أن عقد هذا المؤتمر يندرج في سياق مشروع علمي بشراكة بين معهد غرناطة ومؤسسة مؤمنون بلا حدود، حيث تشتغل المؤسستان على دراسات التطرف وتفكيك التطرف العنيف، وذلك من خلال التركيز على ثلاثة محاور كبرى، أولاها الندوات العلمية والمؤتمرات الدولية المختصة، التي نظمت في السنوات الأخيرة، في كل من إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والآن في مراكش، وبعدها ستتلوها مؤتمرات في بريطانيا وبلجيكا، وإسبانيا خلال السنة الجارية. أما المحور الثاني فيهم البحث العلمي في الظاهرة، في حين يركز المحور الثالث على التكوين الأكاديمي من خلال إنشاء برامج ماستر في جامعات أوروبية عريقة بشراكة مع مؤسسة مؤمنون بلا حدود ومعهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا.
وأوضح بنصالح أن مقاربة الظاهرة الإرهابية والتطرف يجب أن يتم الاشتغال عليهما برصانة علمية، وذلك من أجل إعادة هندسة العقليات والذهنيات لدى الأجيال الصاعدة في المجتمعات المعاصرة، والتي تعاني من أمرين بات لزاما الانتباه إليهما في سياق مكافحة التطرف والتطرف العنيف، أولهما تهميش النظام الدولي للشباب بسبب النيوليبرالية المتوحشة المستبيحة للإنسان والأوطان، وثانيهما شعور هؤلاء الشباب بالضياع في الشرق كما في الغرب، إذ لم يتم إيلاء العناية لشريحة واسعة من الشباب يبدو لها أن اليقين الوحيد هو اللايقين، ولذلك يسعى جزء منهم إلى البحث عن اليقين البسيط في الدين دون أن يعي تركيب التجربة الدينية بأبعادها التاريخية والاجتماعية. وهنا تبرز خطورة التنظيمات المتطرفة، لأنها تقدم “حلولا” بسيطة لإشكاليات مركبة، وهذا ما يفسر جزءا من قدرتها على استقطاب بعض الشباب والتغرير بهم.
وأكد بنصالح أن السرديات الكبرى قد انهارت، وأن الباراديغمات الحالية قد تقادمت، ولم تعد قادرة على تحليل الظواهر المستجدة في المجتمعات المعاصرة؛ فهي تريد معالجة فوضى ما بعد الحداثة بباراديغم الحداثة، وفهم “المجتمعات ما بعد العلمانية” بباراديغم العلمانية، وتحليل ظاهرة الشعبوية، والتي تعتبر من مؤشرات الانتقال إلى مرحلة ما بعد الديمقراطية، بباراديغم الديمقراطية. وكل هذا، حسب بنصالح، يستدعي إنتاج باراديغمات جديدة. ولهذا فموضوع “ما بعد داعش” لا يجب أن يحلل بباراديغم مرحلة داعش، بل بباراديغم بعدي، ولهذا تم جمع الخبراء والأكاديميين والباحثين والمشتغلين في مجال مكافحة التطرف العنيف، فضلا عن قيادات سابقة في بعض التنظيمات المتطرفة، من أجل التفكير الجماعي في باراديغم جديد لفهم الظاهرة ومواجهتها.
وأشار بنصالح إلى أن جزءا من المشكلة في مقاربة الظاهرة الإرهابية، يكمن في الهوة القائمة بين صناع القرار وصناع المعرفة، مبرزا الحاجة الملحة إلى بناء القرارات المتعلقة بهذا الأمر وغيره على أساس الفهم العلمي والجواب المعرفي.
وشكر بنصالح المملكة المغربية على استضافتها للمؤتمر، وعلى مشاركتها الفعلية في أعماله منى خلال المحاضرة الافتتاحية للسيد عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب، والتي تعرض التجربة المغربية الناجحة والناجعة في مكافحة الظاهرة الإرهابية.
وبعد ذلك، ألقى العميد حبوب الشرقاوي، رئيس فرقة مكافحة الإرهاب بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب، المحاضرة الافتتاحية للمؤتمر بالنيابة عن عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب، حول موضوع “المقاربة الأمنية المعتمدة للمملكة المغربية في مواجهة تحديات التطرف العنيف”.
وأشار السيد الشرقاوي إلى أنه منذ إعلان قيام ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية، قام هذا التنظيم بسلسلة من العمليات الإرهابية، التي عملت على تدمير العديد من البلدان، وهو ما استوجب التصدي له، والتجند والتعاون الدولي من أجل دحر هذا التنظيم الإرهابي، موضحا أنه لابد من التطرق للتهديدات الإرهابية بعد اندحار داعش وهزائمه المتتالية، وتشديد الرقابة عليه، خاصة أنه نقل مركز إدارته إلى ليبيا، ومناطق أخرى بغرب آسيا.
وأوضح أن المغرب قد وجد نفسه وسط تحديات محدقة في محيطه الإقليمي، أبرزها انتشار الجريمة المنظمة، وتجارة السلاح، والهجرة السرية، وكلها أشياء تعمل على توسيع دائرة انتشار الإرهاب، ولكنه مع ذلك استطاع بفضل مجهودات المكتب المركزي للأبحاث القضائية، من تحقيق نتائج مهمة وتجنيب المغرب الكثير من العمليات الإرهابية، مشيرا إلى خطورة النزعات الانفصالية في تغذية الظاهرة الإرهابية، بدليل التحاق أكثر من 100 من انفصاليي البوليزاريو بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وأعلن السيد الشرقاوي أن المكتب المركزي قام بتفكيك ما مجموعه 53 خلية إرهابية، و48 خلية لها ارتباط مباشر بتنظيم داعش، وذلك بفضل يقظة المغرب وانتباهه لخطورة الإرهاب منذ سنوات، واعتماده لمبادرات استباقية، مشددا على الخطر الإلكتروني المستمر لهذا التنظيم، الذي يجند التقنيين والمهندسين الذين يحسنون استعمال التقنيات المتطورة من أجل تسويق صورة التنظيم، واستقطاب الأتباع.
وشدد السيد الشرقاوي على ضرورة الاهتمام بليبيا التي تعد الآن المعقل الرئيسي لهذا التنظيم الإرهابي، لأنه وجد في الفوضى وغياب المؤسسات في البلد، المجال الأوسع لنشر عناصره، من أجل استهداف المنطقة المغاربية وأوروبا، موضحا أن القضاء على تنظيم داعش بالعراق وسوريا، لا يعني القضاء عليه بشكل نهائي، لأنه يعرف ولادة جديدة في مناطق أخرى، ولا أدل على ذلك من عمليات الذئاب المنفردة، التي ما زالت تستهدف العديد من البلدان، والتي راح ضحيتها العديد من المواطنين عبر العالم، وخاصة أوروبا.
وأكد ممثل المكتب المركزي للأبحاث القضائية أنه يجب الاهتمام بالعناصر العائدة من التنظيمات الجهادية، لأن العنصر البشري كان ولا زال هو العنصر المهم في هذه التنظيمات، وهو ما يستدعي المراقبة المستمرة والتأطير والتعاون من أجل القضاء على الإرهاب، وعلى الأفكار المتطرفة، مشيرا إلى أن الإرهاب يجب أن يحارب بالفكر أيضا.
وأشار السيد الشرقاوي إلى أن المقاربة المغربية في مواجهة الظاهرة الإرهابية هي مقاربة ثلاثية الأبعاد، إذ تعتمد على البعد الأمني، والبعد القانوني، والبعد الروحي، فضلا عن الاشتغال على الجانب التنموي.
ويروم هذا المؤتمر، الذي يتواصل إلى يوم السبت 7 أبريل (نيسان) الجاري، التفكير الجماعي والنوعي في مقتضيات مرحلة “ما بعد داعش”، من خلال استشراف الحالة “الجهادية” في مرحلة ما بعد الاندحار الميداني لتنظيم “داعش”، والذي لم يرافقه لحدّ الساعة اندحار أيديولوجي في أذهان أتباعه، ناهيك عن خطورة تفرعاته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتهديداته المحدقة بالعالم العربي وأوروبا وغيرهما.
ومن أجل مقاربة موضوعية استشرافية لهذا الموضوع، يسعى المؤتمر إلى تلمس إجابات عن أسئلة مُلحّة من قبيل: ما هو مستقبل الظاهرة “الجهادية” في مرحلة ما بعد القضاء الميداني على تنظيم “داعش” أو نهاية “دولته”؟ وهل كانت فكرة “الدولة” التي أقامها في هذه المرحلة غاية بحد ذاتها، أم هي حلقة مرحلية ضمن استراتيجية أوسع لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار العالمي للتنظيم وأيديولوجيته؟ وما هي الاستراتيجيات المرتقبة للتنظيمات “الجهادية”، خاصة في البلدان العربية والدول الأوروبية؟ وما مصير “الدواعش”، في مرحلة ما بعد تنظيم “داعش”؟ وهل ثمّة سياسات ناجحة أو مثالية في سياق التعامل مع من يصطلح عليهم “المقاتلون الأجانب” العائدون إلى بلدانهم؟ وما هي القواسم المشتركة أو الفوارق في تعامل الدول العربية والأوروبية مع العائدين؟ وكيف يمكن للدول العربية والإسلامية والأوروبية، أن تفرّق في قوائم هؤلاء العائدين، بين “الجهاديين التائبين” الذين اصطدموا بواقع أعقد ممّا كان في تصوّراتهم الذهنية، ويرغبون في طي صفحة “التجربة الجهادية”، وبين العائدين الذين ما زالوا مقتنعين ومتشبّثين بما يتوهّمونه خياراً جهادياً؟ وكيف تؤثر السياسات الأمنية والاستراتيجية لصناع القرار الدولي والإقليمي في أداء وتفاعل الظاهرة “الجهادية”، كما هو الحال مع الظاهرة “الداعشية”، منذ اندلاع أحداث “الثورة السورية” حتى تاريخ القضاء الميداني على تنظيم “داعش”؟ وهل يمكن الحيلولة دون تحول الإنترنيت إلى فضاء لنشر التطرف والتطرف العنيف؟ وكيف يمكن التقليل من خطورة استغلال الوسائل الرقمية ووسائط التواصل الجماهيري من طرف التنظيمات الإرهابية؟ ثم ما هي السبل الكفيلة للحيلولة دون تحويل السجون إلى فضاءات لانتشار الأيديولوجيا “الجهادية”؟ وكيف يمكن الاستفادة في هذا الإطار من تاريخ انتشار الفكر السياسي المتطرف في علاقته بتجارب السجون؟ فضلا عن تساؤلات مؤرقة أخرى تطرح نفسها بإلحاح خلال الظرفية الراهنة.
ويشارك في هذا المؤتمر كل من: دفيد بولوك، الخبير الأمريكي في الديناميكيات السياسية لدول الشرق الأوسط، ومحمد المعزوز، أستاذ الأنثروبولوجيا السياسية في جامعة محمد الخامس، والفيلسوف الفرنسي جوكوب روغوزنسكي، ورهان غونراتنا، أستاذ الدراسات الأمنية ورئيس المركز الدولي للبحوث في العنف السياسي والإرهاب بسانغفورة، ودفيد كارتنشتين روس، الخبير في مكافحة الإرهاب والمستشار في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، وجون شارل بريزار، رئيس مركز تحليل الإرهاب بباريس، وعبد الحق باسو، الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، وأليكس شميت، مدير مبادرة أبحاث الإرهاب الدولية، والباحث في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بواشنطن، ومصطفى رزرازي، أستاذ إدارة الأزمات بالمغرب، ومدير المركز الإفريقي للدراسات الأسيوية، ونبيل نعيم، الخبير في الجماعات الإسلامية والقيادي السابق في جماعة الجهاد المصرية، وجون جاك كوندي، الخبير الإيفواري في شؤون الأمن الدولي، وسعود الشرفات، المدير العام لمركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب بالأردن، وكمال حبيب، الباحث المصري المختص في الحركات الإسلامية، ومارك أنطوان بيروز دي مونكلو، كبير الباحثين في معهد البحث من أجل التنمية بفرنسا، ومحمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) الباحث المغربي في الإسلاميات، ومحمد جاسم، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، ومحمد نصر كروم، الخبير في التنظيمات المتطرفة والقيادي السابق في الجماعة الإسلامية بمصر.