*طاهر علوان
كلما حاول المرء الوصول إلى الحقيقة المطلقة تتداخل حقائق الفيزياء بالفلسفة وينتقل الأمر إلى الإبداع الأدبي والفني حيث تحضر قيمة الزمن بقوة، وهذه المعطيات تتزامن مع رحيل عالم عُني بالزمن الذي مثّل تحديا كبيرا له، وهو ستيفن هوكينغ، مع أن الشائع عنه أبحاثه التي أوصلت إلى حقيقة محيّرة تتعلق بمجرّات بعيدة وما حولها من ثقوب سوداء وما إلى ذلك.
وفي البدء كان تحدي الموت بعد الإصابة بالعاهة العصبية المستعصية التي تعطّل حركة الجسد، إذ كان هوكينغ مهدّدا بالموت في خلال 3 سنوات بعد تلك الإصابة التي أقعدته في مطلع الستينات من القرن الماضي، وهو في ذروة عطائه العلمي، لكن شخصيته الفذّة وصبره أوصلاه للبقاء عقودا حيا، فاعلا ومبدعا في ميدان تخصّصه.
هذه الحياة الدراماتيكية العجيبة كانت كافية لاجتذاب عدسات السينما إليه، فكانت الفرصة سانحة للسينما لكي تدخل عالمه وتكشف عن حياته التي هي أقرب إلى المغامرة المليئة بالغرابة، خاصة لجهة تحدي البقاء حيا.
ثم كان دخول التكنولوجيا الحديثة لتساعده في التعبير عن نفسه من خلال مجسات تترجم الأفكار إلى كلام، فوضعت المجسات على اليدين، ثم إذا ضمرت اليدان وضعت مجسات على الخد وقرب العين تترجم ما يجول في عقله من أفكار حتى إذا عجز عن تحريك الخد أنتجت شركة “انتل” الأميركية الرائدة نظاما متطوّرا للوصول إلى أفكار هوكينغ من دون الحاجة إلى الحركة.
هذا فصل آخر من تلك الدراما في التعامل مع التكنولوجيا الرقمية من جهة، والمضي في مسار الحياة كما هو من جهة أخرى، ومن ذلك الزواج والإنجاب على الرغم من العجز الجسماني.
وإذا عدنا إلى الشاشة، حيث تتحوّل قصة الثقوب السوداء التي كشف هوكينغ الكثير من أسرارها، فإن السينما بنوعيها الوثائقي والدرامي كانت على موعد مع هذا العبقري الكبير.
وعشية نشر كتابه الأشهر “موجز تاريخ الزمن” الذي ترجم إلى أربعين لغة وبيعت منه الملايين من النسخ، كان المخرج الأميركي الحائز على الأوسكار، إيرول موريس، قد غاص عميقا في تلك الإشكالية المتعلقة بجماليات الزمن على الشاشة وكيف نشعر بها وكيف يمكن تجسيدها، كان ذلك في العام 1991 وقدّم موريس سيرة ذاتية مشوّقة عن العالم الكبير، بما فيها التوغّل عميقا في حياته وطفولته وذكرياته وأسرته، وقد نال الفيلم نجاحا مشهودا وعُدّ من الأعمال الوثائقية المتميزة.