قاسم حداد: لا أملك موهبة التسول

*سيد محمود

قبل أيام وجّه الشاعر البحريني قاسم حداد رسالة إلى متابعي موقعه الإلكتروني «جهة الشعر»، كتب فيها: «الأصدقاء الأعزاء، سوف يتوقف موقع جهة الشعر عن البثّ لأسباب تتعلق بعدم توافر الدعم المادي. ونودّ هنا أن نتوجه بالشكر إلى كلّ من وفّر الدعم المادي له على مدى العشرين عاماً السابقة والاعتذار لأصدقاء جهة الشعر الذين بمشاركتهم النشر في الموقع أسهموا فعلاً في الإنجاز الذي تحقق طوال سنوات عمل الموقع منذ انطلاقته عام 1996».

وأحدثت هذه الرسالة القصيرة ردود أفعال واسعة في الأوساط الأدبية مستنكرةً ما حصل، نظراً إلى الدور الرئيس الذي أدّاه الموقع في نشر الشعر العربي في مختلف أجياله، إضافة إلى اعتماده كمصدر عالمي من مصادر المعلومات الموثوق بها في ما يتعلّق بالإبداع الشعري العربي، فضلاً عن اعتباره «ورشة عمل شعرية عالمية بالمعنى الأدبي والتقني للكلمة». وانطلق موقع «جهة الشعر» مع بداية انتشار الإنترنت عربياً، في العام 1996 بإشراف قاسم حداد، الذي تمكّن من ضمانة استمرار بثّه نحو 22 عاماً، على رغم محدودية الدعم.

وفي حواره مع «الحياة»، أكّد حداد أنه عندما اتخذ قراره بإغلاق الموقع لم يفكر في السنوات التي عمل خلالها؛ لأن الزمن الفيزيائي لم يعد يشغله، فالأمور تصير إلى حدودها؛ كما أن «جهة الشعر»- وفق وصفه- «كائن حي متطلب، وأنا لم أعد قادراً على مجاراته». وجاءت فكرة تأسيس الموقع استجابة لاقتراح قدّمه لحداد الكاتب البحريني عبيدلي عبيدلي وهو من شركة «النديم لتقنية المعلومات» التي تولت الناحية التقنية. وأضاف: «كانت البداية تقوم على نشر الشعر العربي في لغته، ومع الوقت اشتبكنا بجماليات التعدد اللغوي لنشر الشعر العربي في أكثر من سبع لغات. بدأنا كمن يتعثر في نوم موحش، وكنا نسبق أحلامنا في أكثر الآفاق رحابة. ونسهر على بناء المحتوى الثقافي النوعي الرصين من دون أن نغفل عن تطوير الناحية التقنية وتحديثها، ولكن دائماً من أجل بلورة وسائط عرض النصوص وسرعة وصول المستخدم إلى المحتوى». وفسر حداد الاكتفاء برسالة قصيرة لإعلان توقف بث الموقع بقوله : «نظرتُ إلى الأمر في شكل بسيط من دون عرض مزاعم أو بكائيات أو الكلام عن إحباطات لا تنقص الآخرين». وأوضح حداد أن توقف «جهة الشعر» جاء لأسباب مالية بحتة وليس لأسباب أخرى؛ وقال: «منذ سنوات بادر بعض الأصدقاء الأعزاء في تعضيد عملنا، وتلقينا أكثر من مبادرة من أجل الاستمرار». وأشار إلى أن الموقع حصل على دعم من وزارة الثقافة البحرينية في عهد الوزير السابق محمد عبدالغفّار، «لكن دعم الأصدقاء توقف لأسباب اقتصادية أتفهمها وأحتفظ أيضاً بتقدير خاص لهم. استمر دعم الوزارة في السنوات الأخيرة، وإن كان متعثراً وغير كافٍ أيضاً. لم يعد كافياً للعمل الحقيقي في تطوير وتحديث الموقع، لأن التطورات البرامجية في الشأن الإلكتروني تتسارع وتستدعي تطوير الموقع تقنياً، الأمر الذي يضاعف تكاليف الصيانة والتشغيل والتحديث اليومي».

وأوضح صاحب «علاج المسافة» أن الأمر أصبح يتطلب «الكثير من طرق الأبواب. وحسبتُ أن هذا سلوك لا يليق بالثقافة، ولا ينبغي قبوله، وليس بيننا من يمتلك موهبة التسول». وببساطته المعتادة أقرّ قاسم حداد بأنه لم يفكر في البحث عن مصادر تمويل لها طابع الاستدامة، إما بطلب منحة من مؤسسات مدنية أو بالحصول على دعم من رجال أعمال أو حتى من وزارة الإعلام في البحرين، وقال: «السؤال عن محاولات السعي للحصول على تمويل يستدعي مناخاً عادياً للسعي الكريم، فقد حاولنا في الحدود التي تسمح بها الظروف. لكن ثمة مسافة جهنمية بين أحلامنا واستعداد الواقع».

وتابع: «ربما كنّا في «جهة الشعر» نحاول منذ البداية اقتراح مستوى أخلاقي بين حاجتنا وشروط الواقع. نحن نرى أن الثقافة هي طريقة حياة، فلم نكن نرى حدوداً بين النص واحترامه، الثقافة واحترامها، فنياً وإنسانياً. هذا الاقتراح ربما لم يكن يعني أحداً غيرنا. لم نكن لنسعى لتغيير أحد من دون أن نسمح لأحد أن يغيرنا». ونفى نيته التوجه إلى المثقفين العرب بنداء لطلب دعم مالي للموقع، كما فعلت منابر شبيهة طوال عقود عدة، «لستُ في هذا الوارد، ولا أشجع على ذلك». كما شدد على أنه غير مستعد لمناقشة خيارات أخرى بخلاف إغلاق الموقع، وقال: «عرفت هذه الخيارات كثيراً. عرفتها طويلاً. لا خيارات من دون شروط، وأنا لا أحب ذلك، ولستُ مهيئاً له».

ورداً على سؤال إذا كان بلغ مع قرار التوقف محطة اليأس وهو صاحب «ورشة الأمل»، قال: «اليأس؟! لم لا، إنه حريتنا الوحيدة. أعطني سبباً واحداً في حياتنا العربية لا يمنحنا هذا الخيار». ورأى حداد في رد فعل المثقفين العرب على قرار الإغلاق «الكثير من التعويض»؛ فقد أحبّت «جهة الشعر» بتعبيره الجميع، فلا يستغرب حب الجميع لها. وفي شأن المفارقة التي تشير إلى تكاثر المواقع الإلكترونية التي تغيب فيها المعيارية وقواعد التقييم على أسس صحيحة بينما يتوقف الموقع الرائد في النشر الإلكتروني؛ انتهى قاسم حداد إلى تأكيد أن «هذه طبيعة أشياء الحياة، ولعل لكل تجربة عمرها الافتراضي، فلم تكن «جهة الشعر» تنافس أحداً، ولم تفرض حكم قيمة على أحد، لأن كل نص جيد نشره الموقع منحه دائماً قيمة نوعية».

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *