تِيه… ذكريات حرب

خاص- ثقافات

*ذكريات محمود حرب ناصر

لستُ ممن يجيدون علم الجبر، أو القسمة، ولستُ من الذين يقرون بالزوايا التي يجب أنّ تكون قائمة كالرمح في خاصرة الوجع.. ولا أفقه في حسابات القروض البنكية.. أو من عشاق المواربة والاستعارة المكنية في اللغة العربية.. ولا أنّا ممن يتفقهون في رسم خارطة الشرق الأوسط.. أو تقديم التعليلات في طبقة الأوزون.. وجدلية الخلق.. ولستُ موهومةٌ بابتسامة الموناليزا، ولا أجد فرقاً بين إسحاق نيوتن واينشتاين… كما أنني لا أعلم أي الطرق تؤدي إلى روما..

ولستُ  ممن يبحثون في نشأة الكون.. ولا أحلم بالمدينةِ الفاضلةِ، أو تحليل الاستقراء في علم المنطق، وأكره الميتافيزيقيا.. وحفظ المعلقات، والبحث عن شرعية (عنترة)  في الزواج من محبوبته عبلة.. وقتلة (امرئ القيس).. وانتحار(براون) عشيقة هتلر.. وإعدام (موسوليني).. والحروب العالمية.. ولا مِن معددين مُنجزات اتفاقية سايكس بيكو…. والنكبة والقسطل..وحصار بيروت والبكاء على أسوار بغداد.. والولولة  كلما سقطت عاصمة عربية..وفضائل الزعماء الذين رحلوا.. والآخرون الذين لا يزالون يسرقون قوتنا أمام أعيننا… ولا أُتابع مكتسبات ثورات الربيع العربي التي تجتاح أوطاننا ليلاً ونهارًا…

وأعترف أنني لستُ من الموالين أو المعارضين.. ولستُ سياسيةً ولا عقائدية.. ولا ألعبُ دورَ الأراجوز للصعود إلى الأفق.. ولا أُحاكِمُ أحدًا أو أقاضي من كنت أظنه جزءًا مني..

ولا أبحثُ في السياسات العاهرة، والانتهازيات، والأجندات الخاصة، والذين يقضون أوقاتهم في منتجعات مونت كارلو ونيس وعلى طاولات القمار.. وشعوبهم يتسولون بحثاً عن لقمة تطفِئ نيرانهم.. ولا مِن المتابعين للأكاذيب الدولية وقرارات مجلس الأمن والهيئات الدبلوماسية ووكالات الغوث ومنح صندوق النقد الدولي… ومن المسؤول عن ضياع أوسمة الشهداء.. وحقوق الأسرى…

ولستُ من المغرمين بـ (البوتكس) و(التاتو)، والأزياء العجائبية..  والمتابعين لـ (الفيس بوك)..و (التويتر) و(الانستجرام) و(الواتس آب)، والصرعات والصيحات والاختراعات التي تُصرع الناس كل يوم.. حتى بتنا نسكن  في بقعة واحدة لا أكثر..

ولأنني لا أبالي بشجرةٍ  تُمسي خيمةً لعرايا، وبحرا لا يطيقُ حزنه، فينطوي على نفسه، ووردة تجف في انتظار نسمة تعيد لها حلاوتها.. وأطفالٌ يكبرون قبل أوانهم، ونساءٌ موشوماتٌ بالسواد، ورجالٌ يحترقون راكعين..

ولأنني لا أتقن دور العاشقة.. ولا النوم على كتف رجل يدعي أنه الأوحد في عملة الوفاء.. وتوقفت منذ وقتٍ بعيدٍ عن لملمة شاماتي الجديدة التي نقشت على جسدي في غفلة.. ولم تعد تفاصيلي تغريني، أو ثوب معلق في (الفاترينا) يناديني ليرى سحره على قدي.. ولا رسم الشمس في المرايا، ولا حمل القمر على زندي.. ولا أبحث في عيون السماء عن حنين… وأمقت اللون الرمادي..

ولأنني أخفقت في السعي للجنة.. واحتميتُ بدرب الهاوية.. وتُهت عن وجهتي، وتعلقت بنجمة شاردة، وجاريتُ روحي معللة أنني قدرية..

ولأنني لا أعلم  أقريبةٌ أنا أم بعيدةٌ.. أم أنني بلغت من العمر عتيًا.. أم أنني أُطِلُ من شرفة على زمن لم يعد لي..

 قررتُ أن أجمعَ خيباتي.. وأُخرِسَ أنفاسي…

وأقطع ما تبقى لي…. مع ريح لا تحفل بوهني..

وعتبة لم أتخطها قط..

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *