خاص- ثقافات
*نبهان يونس
” حالة عشقٍ لأوجاع آدم حاتم ” عنوان مرثيةٍ طويلةٍ لمظفّر النوّاب يرثي بها أحد أهمّ أصدقائه الشّعراء , قرأتها و سمعتها بصوته مراراً و أبكتني في كلّ مرّةٍ , أنا البكّاء الشّغوف بسِير الشّعراء المنسيّين ..
فمن يكون هذا الـمنسيّ في زحمة الشّعراء حتّى يرثيه شاعرٌ كمظفّر النوّاب بأرقّ الحزن
” سعدون حاتم الدرّاجي ” أو ” آدم حاتم ” كما شاء هو أن يبدّل اسمه بعد خروجه من وطنه العراق عام 1978
هو واحدٌ من شعراء الشّتات العراقيّين , تشرّد في مدنٍ و عواصم كثيرةٍ قبل أن تنتهي حياته بموتٍ غامضٍ في لبنان ..
” جدول الدّم الذّاهب إلى فم السّاحرة
تلك هي حياتي ”
هو الفقيه الجميل الذي أدرك سرّ البقاء فاختار الموت ليحيا أبداً ..
” ناداني من بين الأموات
و قال لي : انهض
فأنت أجمل الأحياء ”
قيل : منتحراً بجرعة حبوبٍ كبيرةٍ و خمرٍ كثيرٍ , و قيل : مقتولاً في مشاجرةٍ مع شخصٍ مجهولٍ .. و الصّحيح في الاحتمالين أنّ آدم مات ..
بعيداً عن العراق و من غير طقوس حزنٍ و مشيّعين أهلٍ و أصحابٍ .. بلا أكاليل وردٍ و شاهدةٍ على قبره دفن آدم غريباً في مخيّم عين الحلوة بلبنان ..
” إن كان عليًّ
أن أحيا مجبراً
ستجدني ذات يوم قتيلاً
في الوديان البعيدة ”
هل هذه مجرّد نبوءةٍ لشاعرٍ يائسٍ ؟ أم هي شهادةٌ مبكّرةٌ منه على موته ؟..
مات آدم قبل أن يحقّق حلمه العجيب : تأمين مبلغٍ من المال يكفي لشراء تذكرة سفرٍ إلى الهند ..
هناك كان سيشتري فيلاً ضخماً يعتلي ظهره و يتيه به في مجاهيل الغابات القصيّة , بعيدا عن ضجيج المنابر , و أضواء المهرجانات , عن الردح و المدح , عن الإسهاب و الإطناب , عن الابتذال و الاختزال ..
” قصائدي خيولٌ بريّةٌ لا أريد حبسها في اسطبل ” هكذا كان آدم يجيب عندما يسأل لماذا لا يطبع أشعاره في كتاب ..
لكنّ آدم مات , فاقترف أصدقاؤه خيانةً جميلةً بعد رحيله بعامين حين جمعوا أشعاره الموزّعة بينهم في كتابٍ يتيمٍ يشير عنوانه إلى حياته ” لا أحد ” :
“لا أحد يصحّح خطأ الموت
كما تقول الشّاعرة التي أصادفها في الحانات كثيراً
ثمّة لا أحد في الحياة ولا أحد في الحانات ” ..
لا أحد .. لا أحد .. لا أحد .