المطرب حسين نعمة ” عندليب الشاطئين ” طفولة قاسية وأسرار خفية

خاص- ثقافات

*صياغة الأحداث ادبيا زيدان حمود
الإشراف والمتابعة  اموري الرماحي
قراءة خلود البدري

دأبتُ على القراءة في مكتبة المدرسة، كان بحوزتي مسرحية وليم شكسبير ” هملت ” أواصل قراءة فصولها الأخيرة، قبالتي تجلس أمينة المكتبة وتدرج عناوين الكتب في سجل ” فهرس ” المكتبة، كان الصمت يطبق على المكان، ولطالما احترمت هي صمتي ولم تقطع عليّ القراءة إلا عندما تراني اكتفيت منها، لكنها وعلى غير عادتها هذه المرة، قالت بلهفة: كتاب عن ” حسين نعمة ” عندها رفعت رأسي عن الكتاب الذي كان بين يديَ، وقلت: للكاتب زيدان حمود، فقالت: نعم، واستطردت سأدرج عنوان الكتاب وأستعيره فأنا أحب أغاني هذا المطرب، لكني بادرتها، بل إذا سمحتِ أعطني إياه لأقرأه قبلك، هل تعرفين أغنيته ” يا حريمة ” أسمعها يوميا تقريبا، تبسمت وقالت: وأنا أعشق أغنياته كلها، أنه صوت عذب ولن يتكرر. وأخذت الكتاب وتصفحت أوراقه، لامست الحروف أصابعي تلك الحروف التي كتبتها يا صديقي، وها هي الصدف تضع في طريقي كتابا لك، لا تحتويه مكتبتي لكن مكتبة مدرستي كانت تحتضنه، وأخذت الكتاب بشغف، فقد عاهدت نفسي أن أكتب عن كل ما خطه قلم صديقي وأخي الروائي والكاتب المسرحي ” زيدان حمود ” وهكذا رافقني الكتاب إلى بيتي وها أنا أقلب صفحاته وأبدأ بقراءته. في مقدمة الكتاب كتب المؤلف ” عندما كتبت عن حسين نعمة لم اكتب عنه كمطرب مشهور جدد في الاغنية العراقية فحسب، وإنما تناولت مرحلة كاملة من مراحل تعاقب الأجيال في ذروة الحماس الإنساني، المتعلقة في البحث عن الذات الشاردة وراء هموم تقتلها اللذة، ويدفعها الى الجديد عالم بوهيمي غريب، يمتلئ معاناة وألما وقصصا خفية في كيفية البحث عن سر الوصول الى الطموح. حسين نعمة إنسان بسيط يحمل في تفاصيل حياته اسرار الجميع وطفولتهم، تلك الطفولة التي اصبحت كحلم اليقظة في اغلب الاوقات للذين تناسوا الطفولة في لحظات زائلة. حسين نعمة كتاب للجميع ينظرون من خلاله انفسهم المشهورة وغير المشهورة في مكاشفة حقيقية مع الذات ” ضم الكتاب عناوين مختلفة على التوالي : صوت من مدينتي، بيت الجد وذكريات الطفولة، الكتاتيب وشيء من الماضي، الابتدائية وسر تفجير الموهبة، الأعراس وليالي الأعراس في الناصرية، المتوسطة والصعود الأول على خشبة المسرح، دار المعلمين  وصقل الموهبة، فرقة التمثيل والتجربة المسرحية، عام  1967 وأول تعيين في مهنة التعليم، قصة النقل إلى ناحية الدواية والعودة إلى الناصرية، لقطات من حياة معلم جوال، آلة العود وأوامر المدير، ذكريات من الناحية، مهرجان الشعر الشعبي الأول واكتشاف الموهبة، امتداد السنين في معرض بغداد، ظروف قاسية واختيار قاسي، يا نجمة وقصة أول أغنية، صدى الأغنية الأولى والشهرة في مجال المستوى المسموع، التلفزيون وتسجيل يا نجمة، الجد يحاول عرقلة حسين في اداء الأغنية، الحنين إلى الأم والعودة إلى الناصرية، بغداد ثانية .. الزواج الأول والرحيل نحو قسوة الحياة، نخل السماوة والعودة إلى الفلكلور، تفكك أواصر الزواج الأول، يا حريمة وسر نجاح الأغنية، السفرة الأولى إلى خارج العراق، الأب ومدير الشرطة، موت الجد، ترك الغناء في البيوت والمنتديات، فشل الزواج الأول وعقاب النفس، رديت اغنية الشوق إلى الماضي والحنين إلى الصدق، الأغاني ما قبل الابتعاد عن الأضواء، العودة إلى الناصرية وسر العزلة، وفاة الأب، خمسة عشر أخ وأخت وشقيق واحد فقط، الصحافة والسؤال المستمر عن حسين نعمة، الزواج الثاني والعودة إلى الفن ، حسين نعمة يدفع الاتهام امام الصحافة، القاهرة ورحلة العسل والعمل، القطارات والسيارات والسفر المستمر بين بغداد والناصرية، ضريبة الشهرة وموقف في القطار، انقلاب السيارة وكاسيت الفلاح، فترة السبعينات والوسط الفني في ذي قار، ميلاد علياء وصفحة جديدة في حياة حسين، بيت بغداد وبيت الناصرية، علياء وعلي وآخر العنقود هنادي، الأصدقاء المعانون وفكرة اصطحابهم دائما، التجارة ومحاولة الخوض في غمارها، السفر خارج العراق بين المتعة والعمل الفني، الملحنون والشركات والتعامل التجاري، أعمال غنائية كان من المفروض أن تظهر بصوت حسين نعمة، السينما وتجربة حمد حمود اللا جديد والمراوحة في حدود القديم التجارة ثانية: الفشل من جديد والعودة إلى الغناء، الرجوع إلى بغداد بعد رحلة العمر في الناصرية، قالوا عن حسين نعمة، وقفة مع المطربين العراقيين، مواقف لا تنسى، امنيات قليلة في حياة حسين نعمة، وفهرس بأسماء الأغاني التي غناها منذ ظهوره كمطرب حتى عام 1991 وقد ضم الفهرس أسم الأغنية وأسم الشاعر والملحن. كما ضم الكتاب مجموعة جميلة لصور المطرب العائلية، من خلال هذه العناوين والصور والفهرس يُلاحظ الجهد الذي بُذل في كتابة وتجميع المادة ” المعلومة ” الموثقة ” ومن المصدر نفسه، أقصد المطرب، وأتذكر شكوى المرحوم زيدان من التعب الذي بذله في هذا الكتاب والجهد والوقت الذي أخذه منه. طبعا أنا هنا لن أستقرأ كل ما جاء في الكتاب لكن سآخذ بعض المقتطفات منه، في عنوان دار المعلمين وصقل الموهبة يطل علينا حسين نعمة شاعرا حيث وجدت ثلاث قصائد له ضمن هذا العنوان نأخذ منها : ” أنني لا أصرخ / إلا من الداخل / حينها .. سيكون .. بكائي / وموتي … في آن واحد / كانتظار الصقيع للشمس / أيه أيتها الغرفة الهرمة / أين تمردي / أين الفارس .. الذي ../ كان يحمل كأس المدام / كالسيف / أهذا نوع جديد من الشجاعة / أم نهاية ايمان البحر بنفسه .”
وقلت في بداية القراءة أني كثيرا ما أستمع إلى أغنية ” يا حريمة ” رغم الشجن والحزن الذي يكتنف هذه الأغنية، وما كتبه الكاتب زيدان حمود عن سر هذه الأغنية والحزن الذي فيها فنقرأه وهو يقول : ” لعبت الصدفة دورا في نجاح هذه الأغنية التي عكست جانبا مهما من جوانب الحس البشري الدفين وراء العاطفة التي ترتكز في اساسها على الحب .. والحب في هذه الأغنية هو الضحية المستكينة في عوالم ثلاثة أشخاص شاركوا في بناء أغنية ” يا حريمة ” وكأنهم اتفقوا مسبقا كل على حدة على صنع الألم . الشاعر ناظم السماوي الذي تحدث في كلماته على قصة حب فاشلة مؤلمة هي ذات القصة التي عاشها حقيقية ليعكسها في كلمات تعبر عما في داخله من ألم، والملحن محمد جواد اموري بدأ بتلحين الأغنية وهو يستقرىء في كلماتها تلك الصور الجميلة لحياته السابقة مع زوجته وأم اطفاله التي توفيت خلال ولادتها لطفله الذي حمل معه حرمانه بعطف الأم منذ الدقائق الأولى لمعرفته بالحياة، وإما حسين نعمة الذي جسد حزن الاثنين بصوت عبر عن ألم عرفناه من خلال مجابهة قاسية لحياة شاقة في زواج دفعه للهاوية، عندها تجيء يا حريمة صرخة مليئة بالألم والحب والحنين إلى كل ما هو صادق معبر عن الوفاء والإخلاص بعيدا عن العاطفة الكاذبة .” تقول كلمات الأغنية :
يا حريمة اسنينك العشرين ما مرها العشك والعشك
خايف .. يا حريمة .. يا حريمة
لاولك لالا على بختك ماني سالوفة صرت بين الطوايف
يا حريمة يا حريمة
يا زلف يتغاوى وي الليل بطراف الكصيبة
هاك روحي الماغفت بالطيف ما مرة حبيبة
هاك جرحي الما تعطب وأنت عطابة ولهيبة
هاك عمري الضاك حنظل وأنت برحي
يا حريمة الشوك مر بوحشة تايهه
يا حريمة .. يا حريمة “.
على صفحة الغلاف الأخير وبعنوان ” عندليب الشاطئين ” كتب عادل الهاشمي ” لم يكن حسين نعمة صوتا جديدا حسب ، بل كان تطريبا جديدا ايضا، موجها إلى أذن جديدة، لأنه انطلق من بيئة ثرية، واغترف من ينابيع الطبيعة حيث جلا صوته عن الحان عميقة الأثر، بليغة المعنى،  لحنها له فنانون مبدعون، منهم محمد جواد اموري وطالب القرغولي.
كما كتبها له شعراء مرهفون، وكانت الألحان والقصائد تركيزا للروح وتعميقا للنبض الفولكلوري والشعبي الأصيل.أنها اغان مارست كل فنون التعبير عن شتى العواطف البشرية. وسيبقى حسين نعمة الصوت الذي تقطر منه حلاوة حقيقية قل ان نجدها في صوت من الأصوات. إذ تفصح نبراته المطربة عن عاطفة انسانية شاعرة، ذات ابعاد واقعية، تجعل منه بلا شك عندليب الشاطئين “.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *