قامت توني موريسون، أوّل روائية سوداء تنال جائزة نوبل للآداب (1993)، بتحرير بعض أعمال جيمس بالدوين بعد وفاته لصالح مكتبة الأدب الأميركي، وكتبت فيما يخص الرواية بين أيدينا: «… إن براعتك الثالثة يا جيمي، والتي يصعب استكناه جذورها، وحتى قبولها، هي رقّتك؛ رقّة لشدّة رهافتها ظننتها لن تستمر [في كتاباتك]، ولكنها انداحت أكثر، وضمّتني. ففي ذروة غضبي، لمستني برقّة كما فعل جنينُ تيش في رحمها: رقّة يستعصي القبض عليها، مثل همسة في الزّحام». نجح جيمس بالدوين في كتابة قصّة رومانسيّة شبيهة بموسيقا البلوز، حيث خيوط الحُزن والفرح تنسُج قماشاً واحداً بديعاً ترتديه الشخصيّات لتنضح بالحياة حتى يكاد ضحكها يُسمع، وعرقها يترك نقطاً على الورق. لكنك لا تشعر بالحزن على القلبين الغضّين حين تقسو الحياة عليهما، بل يأخذك الانبهار من الجنين الذي، وهو في رحم أمه، يسيطر على والدته ووالده وأجداده وعمّاته وخالاته؛ كيف لنُطفة لا تزال تتخلّق أن تضخ كمّا هائلاً من مشاعر الشجاعة والتضحية والأمل، وحتى الكره والقسوة واليأس، وأن تشقّ طرقاً جديدة للحياة في حيوات أناس لم يروها تكتمل بعد؟ الحكاية تُروى بصوت تيش؛ فتاة سوداء في التاسعة عشرة من عمرها تعيش في حيّ هارلم من مدينة نيويورك. أحبّت رجلاً أسود يُدعى فوني في عُمر يقارب عمرها، واتّفقا على الزواج وباركت العائلتان قرارهما. ولكنه أُلبس قضيّة اغتصاب وأودع السّجن، بينما تكتشف تيش أنها حامل، قبل أن يكملا مراسم الزواج. وقتها، ولفقر عائلة فوني، تضطرّ عائلة تيش إلى تمويل رحلة بحث إلى بورتوريكو للعثور على الفتاة المُغتصبة الهاربة، والتأكّد منها: هل فعلاً قام فوني بتلك الفعلة الشنيعة؟ أم أن الشرطيّ بيل، المسؤول عن أمن الشارع الذي يسكن فيه فوني، هو من ألبسه التّهمة؟ إنها رحلة تكشف ألواناً من الظلم الاجتماعي والعنصرية وتشريع الجور، مقابل قوّة ضاربة من النضال المرفوع بأيدي الحُب والبراءة.
أﻧظر إﻟﻰ ﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻣرآة. أﻋرف أﻧﻧﻲ ﻋُﻣِّدت ﺑﺎﺳم: ﻛﻠﻳﻣﻧﺗﺎﻳن، ولذلك سيكون من الطبيعي أن يخاطبني الناس باسمي مختصراً: ﻛﻠﻳم، أو ﺣﺗﻰ به كاملًا، فهو اسمي في النهاية. ﻟﻛﻧﻬم ﻟم ﻳﻌﺗﺎدوا ﻣﺧﺎطﺑﺗﻲ بذينك الاسمين أصلاً، ﺑﻝ ظﻠّوا ﻳﻧﺎدوﻧني ﺗﻳش. وﻫذا، ﺣﺳب ظﻧﻲ، ﻟﻪ دﻻﻟﺔ ما. إﻧﻧﻲ ﻣﺗﻌﺑﺔ، ورحت أؤمن شيئاً فشيئاً بأن هناك دلالة ما لكل ﻣﺎ ﻳﺣدث ﻣن ﺣوﻟﻧﺎ؛ إذ ﻛﻳف ﻟﻪ أن ﻳﺣدث دون أن ﻳﻛون ﻟﻪ ﻣﻌﻧﻰ؟ ﻟﻛن ﻫذﻩ اﻟﻔﻛرة رﻫﻳﺑﺔ ﺣﻘﺎً، وﻻ ﻳﻣﻛن أن ﺗﻧﺟم إﻻ ﻋن ﻗﻠق، ﻗﻠق لا ﻣﻌﻧﻰ له.