إيناس العباسي: أكتب رواية الهجرة بحثا عن الذات

*عبدالله مكسور

إيناس العباسي كاتبة ومترجمة وناشرة تونسية، تعيش في سلطنة عُمان اليوم، حاصلة على إجازة في الرياضيات من جامعة المنستير في تونس، وتشتغل بالكثير من التأني على مشاريعها المتعددة، وقد صدرت لها في الرواية “أشكل”، “منزل بورقيبة”، وفي أدب الرحلة “حكايات شهرزاد الكورية”، وهي مجموعة يوميات نقلت من خلالها الكاتبة صورا وقصصا عن الحياة والثقافة في كوريا الجنوبية خلال زيارتها للعاصمة سيول.

بالإضافة إلى عدة مدن هناك، أما في الترجمة فقد صدرت لها بترجمة عن الفرنسية رواية “رو” أو “نهر صغير” للروائية الفيتنامية “كيم ثوي”، ورواية ” شجرتي، شجرة البرتقال الرائعة” للكاتب البرازيلي خوسيه ماورو دي فاسكونسيلوس.

اللغة الموسيقية

ننطلق في الحوار من الترجمة، فقد بدأت ضيفتنا الكاتبة والمترجمة التونسية إيناس العباسي مشوارها في الترجمة الأدبية، من نقطة أساسية تقوم على المضي في الترجمة بحذر شديد، في محاولة للحفاظ على تركيبة الجملة بنفس موسيقاها الأصلية، فالسعي للحفاظ على موسيقى الجملة وكثافتها الشعرية، دفعها باتجاه ترجمة الكتب التي تحتوي على لغة شعرية أكثر من اتجاهها نحو تلك التي تعتمد على كثافة الصور والاستعارات.

عن هذا الاشتغال تقول العباسي إنها لا تتعامل مع النصوص بمعزل عن صاحبها أو سياقها الزماني والمكاني والاجتماعي والسياسي، حيث تأخذ كل هذه الظروف بعين الاعتبار خلال العمل على الترجمة، تضرب هنا مثالا برواية “نهر صغير” للفيتنامية كيم ثوي وهي نص يكاد يكون سيرة ذاتية لكاتبته، ورحلة هجرتها عبر قوارب غير شرعية خلال حرب التحرير في فيتنام، إلى جانب تفاصيل من حياة المؤلفة في كندا لاحقا، وعلاقتها بابنها الذي يعاني من التوحد، فهذا النص دفع ضيفتنا إلى البحث في تفاصيل قد تبدو ثانوية في الظاهر لكنها أساسية في الأحداث التي جرت في ذلك الوقت، بالتالي كان من المهم أن تقرأ وتبحث عن تلك الفترة، خاصة تلك الأحداث السياسية المتعلقة بكل بلد واختلافها عن البلد الآخر.

هذا أيضا ما فعلته العباسي في ترجمتها للرواية البرازيلية “شجرتي، شجرة البرتقال” للروائي خوسيه ماورو دي فاسكونسيلوس التي تحكي عن طفولة المؤلف، فقد كان من الهام بحسب ضيفتنا، البحث والتدقيق في تفاصيل البلد، نباتاته، أحياءه، عاداته، أسلوب الحياة فيه في ذلك الوقت.

منزل بورقيبة

في روايتها الثانية “منزل بورقيبة” الصادرة عن دار الساقي في لبنان، يشكل هذا النص في ملامحه العامة شكلا من السيرة الذاتية، لكن القصص فيه تتشابك لتنشغل بالهم العام المبني في أصله على ثيمة الهجرة بحثا عن عالم أفضل، نسأل العباسي عن ظروف كتابة هذه الرواية وولادتها، لتقول “تحمل روايتي اسم مدينتي ‘منزل بورقيبة‘ لأنني كنت ولا أزال مسكونة بتفاصيل المدينة، رغم أنني كتبت عنها في روايتي الأولى ‘أشكل‘.

بدأت فكرة الرواية عند عودتي للاستقرار في تونس منذ سنتين، كنت أرى المدينة بعيون كاتبة تبحث عن شخصياتها وتحاول تشكيلها من وجوه الناس حولها ومن تفاصيل المكان، الإرث الكولينيالي المعماري، التغيرات التي عصفت بسيكولوجيا الناس بعد الثورة مقارنة بالتغييرات التي حدثت بعد الاستقلال”.

تتابع ضيفتنا “الشخصيات والرواية تعكس نظرة الكاتب إلى العالم ومفاهيمه لما يمسه ويعنيه وما يحدث حوله. وثنائية ‘الهجرة، الوطن‘ من أكثر المواضيع التي تمسني، هي تعنينا جميعا على الأقل في السنوات الأخيرة في ظل كل العواصف التي نمر بها، فالهجرة هاجس يكبر معنا منذ طفولتنا”.

تستحضر هنا قول صوفيا إحدى شخصيات رواية “منزل بورقيبة”، “الوطن هو حيث أستطيع تحقيق أحلامي”، فالوطن كما تفهمه إيناس العباسي هو حيث لا تتعطل الحياة بسبب شخص مرتش أو كسول أو لا مبال بكل بساطة.

هذا الحديث يقودنا إلى طرح قضية الكتابة عن المكان المرتبط بالذاكرة الشخصية والجمعية، والمكان المفتوح العابر للحدود بين القرية التونسية والقارة الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، فنسأل هنا عن الهاجس المكاني الرابط بين كل شخصيات العمل، لتعلق العباسي “إن الهاجس الذي ربط بين كل هذه المدن والأمكنة هو الهجرة.

فلأجل الوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية، مثلا، كان على حبيب ‘والد جيهان صاحبة الضمير السردي الأساسية في النص‘، أن يعمل أولا في فرنسا ولو لفترة قصيرة وجيهان نفسها ولئن لم تخرج من البلد لكنها نزحت إلى العاصمة وخلفت المدينة وراءها، فالهجرة أو الانزياح المكاني الدال على عدم الاستقرار هو الرابط الأساسي الذي جمع الشخصيات في العمل رغم اختلاف الجغرافيا”.

تجربة النشر

للكاتبة والمترجمة إيناس العباسي تجربة في إدارة دار نشر خاصة بالأطفال، “دار النحلة الصغيرة”، نسألها هنا عن رؤيتها إلى حال النشر العربي من مواقعها المتعددة، كناشرة ومترجمة وروائية، لتختم بالإجابة “بمنتهى الشفافية، إلى جانب كوني ناشرة وكاتبة ومترجمة، فقد عملت فترة قصيرة في شركة لتوزيع الكتب.

وقد علمتني هذه التجربة الكثير وكشفت لي الخبايا من التفاصيل التي يمر بها الكتاب حتى يصل إلى القراء، بكل شفافية حالة النشر في العالم العربي جيدة، ولكن حالة التوزيع سيئة. فالنشر يعيش نقلة نوعية من حيث النوعية والجودة بفضل تقنيات الطباعة الجديدة ومصمي الأغلفة ورسامي كتب الأطفال، وعمليا تطبع سنويا في البلدان العربية المئات أو الآلاف من الإصدارات، ولكن التوزيع يواجه من الصعوبات والعراقيل البيروقراطية ما يجعل الوضع متعبا ومحبطا”.
_________
*العرب

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *