*ترجمة: سعيد بنكراد
من أهم التحديات التي تواجه الكاتب هي تعرُّف حدوده، والتزام الصمت أمام حق القارئ في تأويله على نحوٍ لم يخطّط له ولم يحسب حسابه.
يقول أمبرتو إيكو:
“ليس من حق المؤلف أن يؤوّل. ولكن من حقّه أن يحكي لماذا وكيف كتبَ ما كتب”.
ربما ينبغي أن نذكّر أنفسنا بذلك مرارًا، خاصّة في الحوارات واللقاءات التي تقام مع الكاتب لسؤالهِ عمّا يقصده بهذا المشهد، وتلك الكلمة، ومنحه، من دون أن ننتبه، سلطةً على فهمنا لنصّه وتلقّيه.
يتساءل كثيرون إن كان الكاتب، يعرف ما الذي يفعله على الدوام، أم أنه لا يعرف؟ يقول إيكو:
“إن الكاتب (أو الرسام أو النحات أو الملحّن) يعرف دائمًا ماذا يفعل وكم يكلّفه ذلك. إنه يعرف أن عليه إيجاد حلول لقضية قد تكون المعطيات الأولى فيها غامضة وغريزية ولجوجة. فقد لا يتعلق الأمر في البداية سوى برغبةٍ أو بذكرى. إلا أن المشاكل بعد ذلك تُحل على الصفحة، من خلال مساءلة المادة التي نشتغل بها. إنها مادة لا تخفي قوانينها الطبيعية الخاصة، ولكنها في الآن نفسه، تأتينا محملة بذكرى الثقافة التي تصدر عنها” وهو ما يسمّيه إيكو: “صدى التناص”.
ومن منظور إيكو، يمكننا أن نميّز بين الدافع الملغز إلى الكتابة التي تأتي من “القاع المظلم والغامض”، على حدّ تعبير يوسا، وبين العملية الكتابة كإجراء عملي، كمشكلة أرضية وليست ميتافيزيقية، كإجراء البحث عن حلول تقنية بنيّة الوصول إلى التأثير.
نحنُ نعرفُ بأن الكتابة الإبداعية (والروائية تحديدًا) تتألف من سلسلة طويلة من القرارات التي ينبغي على الكاتب أن يتخذها ليمضي في نصّه خطوة أبعد. قرارات صغيرة تتعلق بالمكان، الزمن، من هي الشخصية، وما الذي تريده. وهي قرارات يتخذها الكاتب في الشقِّ المنطقي، العقلاني، الرياضي، من عقله، إنه يتخذها واعيًا، ومنتبهًا.
يقول إيكو:
“إن المؤلف يكذب عندما يقول لنا إنه يشتغل تحت تأثير إلهامٍ ما، إذ لا يشكل الإلهام سوى 20 في المئة، في حين يشكّل المجهود 80 في المئة”.
هل ينطبق الأمر هنا على كاتب القصة والرواية فقط، أم أن الأمر يتضمن الشاعر؟ يستشهد إيكو بالشاعر لا مارتين، فيقول:
“قد قال لامارتين عن أشهر قصائده إنه كتبها دفعة واحدة في ليلة عاصفة وسط غابة. وعندما مات، عُثر على مخطوط يحتوي على تصحيحات وتغييرات، وربما كانت هذه القصيدة من أكثر القصائد صنعة في الأدب الفرنسي”.
يفنّد إيكو تمامًا فكرة أن الكاتب يكتبُ من دون تفكير:
“عندما يقول الكاتب (الفنان بصفة عامة) إنه كان يشتغل دون التفكير في قواعد السيرورة، فإنه فقد يريد أن يقول بأنه كان يشتغل دون أن يدري أنه يعرف القاعدة. إن الطفل يتكلم لغته الأصلية بطلاقة، ومع ذلك فإنه لا يستطيع أن يحدّثنا عن النحو. إن النحوي ليس وحده من يعرف قواعد اللغة، فالطفل أيضًا يعرف، دون أن يدري، تلك القواعد. إن النحوي هو ذلك الذي يعرف لماذا أو كيف يعرف الطفل لغته”
وفي المجمل، يرى إيكو بأن الكتابة عن الكتابة، لا تدلُّ على جودة المنتج الأدبي. يقول:
“إن الحديث عن كيفية الكتابة لا يعني البرهنة على أن ما كتب هو شيء جيد. فإدغار آلان بو كان يقول بأن “وقع العمل الأدبي شيء، ومعرفة السيرورة شيء آخر”.
ولكنَّ ذلك لا يكفي. إذ..
“يحدث أن يكتب مؤلفون مغمورون لا تأثير لأعمالهم أجمل الصفحات حول السيرورة التقنية. إنهم يجيدون التفكير في سيرورتهم فقط”.
*تكوين/ تحرير: بثينة العيسى .المصدر: أمبرتو إيكو (آليات الكتابة السردية)، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد.