“الشين” كدهشةٍ للفلسطيني

خاص- ثقافات

*حلا السويدات

ماذا يقول الكلام؟

يقول كلّ شيء، الكلام المكتوب، الذي يخفي من الهُوية أكثر ما يبينها، يحمل الرجل البندقية على كتفه، ويمضي، ويقول ” بديش أرجع إلا شهيد”، هنا يقول الكلام كل شيء، وما عدا ذلك لا يعدّ كلامًا، يعدُ كل ما عداه تنميطًا وحفرًا للغة في اللغة بعيدًا عن الصوت.

ألمٌ أن تكون اللغة حفرية لا تتوازن على صراط الصوت، ووجعٌ أكبر يتمخض في القفلة الشينية، بديش.. الشين هنا للإصرار، للنفي، للصراخ، وللاستهزاء.

لا يقول الكلام شيئًا إن تعقلت الروح فيه وجه ربها، فسكنت إلى معبدها، ولا يقول شيئًا إن حث العقل أسئلة الحجر وضاج بها في وهم مداري، هو لا يقول شيئًا يا فتى، لا يقول إلا هذيانًا متعقلًا يكسب نبرته من دبيب الإنسان المتعقل أيضًا.

قديمًا كانت الخطوة أكثر فوضى، الآن لا تقضُ حتى مضجع نملة، من أين جاءت تلك الثقة فجأةً؟

لم نعد نفزع من جسدنا الغريب وجودًا، ولم نعد نفزع منه فناءً!

بتنا نرى داخل الجسد خارجه، في شاتيلا، انقلب الثوب، ولم يكن من فازعين، ما زالت الخطوة ثابتة وما زالت اللغة تتصاعدُ حول ارتفاع ونزول الأصابع، الكتابة تُراقص الأنامل، مثلما تراقصها البندقية، الجسدُ سيان، مثلما انقلب داخله خارجًا، اعتدنا أكثر,, وفترت الدهشة.

إلا أنه لحرف الشين في عامية الفلسطينين دهشة أخرى، إنه يثور على أحافير غير متألقة لإيجاد إشباع ثوري كان قد ألفه الشيخ إمام في عوده، الحاجة إلى الإشباع قد تجعل من الفلسطيني يلفظ عن روحه مجاز الأولين والآخرين، في سبيل شينه.

يقول، ونقول: “بديش، بعرفش، بفهمش، بقتلش، بجاهدش، بسلمش، بستسلمش”.

أنا لا أقتل يا أمي.

“بنقتلش. بستشهد”

كيف تكون الدهشة فرحًا وفيها قِربة للعطشى يفتحونها عند ورود الصحراء، ويغلقونها في بطنهم عند ورود الماء؟ هل أن يُدهَش المرء – الفلسطيني – أن يكدَ كل هذا الكدّ ليستشعر جدواه؟

كيف تكون الدهشة حزنًا يا فتى، كيف يرضى المرء بنفسه حافيًا يسير على صوته، كلما مالت خطوته بّحت نبرتُه، واهتزت أنامله.

ليس كمثله آخر لم يعد يبالي ولم تزل خطوته تثبت على اللظى.

الرّصاصة أن ترجع قليلًا إلى الخلف عندما تضع عينك على الناظور، وأن تخرج من جسد ذاكرة الدم والنحاس الخاصة بإخوتك، كذب أن تقتل رصاصة العدو جسدًا واحدًا بل هي تخترق أجساد الجميع، إن جاز المجاز في أن يحمل الوليد الرصاص في جسده كاستعارة محفورة في ذاكرة الله، تأتي ضمن الإرادة لوعينا كلّنا، إن جاز أن نؤمن بأساطير الثقة والثأر والحق، لا أن نجرد الجسد من ذاكرته ليعلق في تلك التطورات اللغوية والتحولات التي من شأنها أن تنزع عن المرء صوته ووجهه.

 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *