ليس مطراً

خاص- ثقافات

*كمال ميرزا

هذا الماء الذي نزل من السماء لا يصلح لأن يكون مطرا!!

ربما يصلح للبلل..

ربما يصلح للطين..

ربما يصلح “للجلاطة”..

ربما يصلح لإضفاء شيء من الأهمية والإثارة على نشرة جوية ممطوطة يقدمها مذيع متشنج أو مذيعة مغناج..

ربما يصلح “لبهورة” عناوين “تابلويدية” عبر مواقع الكترونية صفراء تتوسل الرضا وتتقمم الحظوة وتبتزّ الإعلانات..

ربما يصلح لاختبار جاهزيّة “العبّارات” و”المناهل” للتأكد من صدق ادّعاءات الأجهزة المعنية مع بداية الموسم..

ربما يصلح مخزونا إضافيا في سدود مشكوك في جدواها، أنشئت بموجب دراسات علميّة مشكوك في علميّتها، عبر عطاءات دولية مشكوك في نزاهتها..

ربما يصلح رقما في إحصائية سنوية ستصدرها وزارة المياه والري في جميع الأحوال..

ربما يصلح مؤشرا للذوق العام من خلال سلوك السائق الجلف الذي مرّ مسرعا قبل قليل في سيارته الفارهة التي تحمل لوحة مكونة من ثلاثة أرقام فقط..

ربما يصلح عذرا لمزارع مغدور أو عامل مسلوب من أجل نيل يوم من الكسل والتراخي مدفوعَين بإحساس كامن وملتبس بالظلم واللاجدوى..

ربما يصلح مسوّغا للتساهل وترك صوبة “الفوجيكا” مشتعلة لساعة أخرى، أو إشعال عين إضافية في صوبة الغاز، أو تلقيم موقد الحطب كمية تتجاوز الحصة اليومية المقررة، أو ضبط المكيّف الذي تم شراؤه بالتقسيط على حرارة أعلى بدرجتين، أو التضحية بجزء من مخزون الديزل الذي يتم ادخاره في “بويلرات” التدفئة من أجل ضيوف رسميين أو مناسبات اجتماعية طارئة..

ربما يصلح ذريعة لخرق “الدايت” الصارم الذي تُلزم نفسها به شابة تعاني من هَوَس مرضيّ بقوامها بتأثير من وسائل الإعلام والدراما التركية ومركبات نقص دفينة تلحّ عليها بأنها ليست جذابة و”sexy” بما يكفي.. أو رجل يعاني من أزمة منتصف العمر، يحاول التحايل على إحساسه المتزايد بتراجع فعاليته الجنسية، وعدم قدرته على مجاراة زوجة تصغره بثلاث عشرة سنة اختارتها له أمّه، وذلك من خلال مزاولة الرياضة بأثر رجعيّ، وإقناع نفسه أنه يتبّع ما يفترض أنه نمط حياة صحيّ..

ربما يصلح للاستماع إلى “فيروز” من قبيل “الكلاشيه”..

ربما يصلح إلهاما لشاعر ركيك يدّعي أن شعره “حُرٌّ” مع أنه عبد لخوائه وغروره وانتشائه بنفسه، وكبرته التي “على خازوق”، والجهات الرسمية التي ترعاه، والجهات المانحة التي تنفخ في رأسه وتنفث في عقله وتكرّس أمثاله وأشباهه..

ربما يصلح لمشاركة صورة أو تدبيج إدراج من قبل مراهقين “شخّاخين” ممتلئين بغبائهم، أو مراهقات “شخّاخات” ممتلئات بتفاهتهن، من أجل الحصول على جرعتهم اليومية من “لايكات” وفيرة يحظون بها من باب الرخاصة، أو المجاملة، أو السلف والدين، أو الفزعة، أو غبيّ يقرّ بغبي، أو حمار يشيد بحمار..

ربما يصلح شاهدا على ازدواجية وعّاظ وزارة الأوقاف وخطباء وزارة الداخلية الذين يرمون الناس بالفسق والمجون وسوء الطويّة، ويرمون السماء بالغلّ والشحّ والانتقام، ويبرّؤون السلطة..

ربما يصلح سقيا رحمة لأطفال رضّع وشيوخ ركّع وبهائم رتّع..

وطبعا، ربما يصلح لافتعال نص مثل هذا النص المتفزلك المتنطّع الذي لا يُعرَف يقينا هل هو مؤشر على إبداع ولماحيّة وعمق صاحبه، أم أنه عَرَض لنقائصه وعقده وأمراضه النفسية؟!

هذا الماء الذي نزل من السماء يصلح لأن يكون أي شيء ولكنه لا يصلح لأن يكون مطرا!!

المطر لا يكون مطرا إلا إذا غسل القلوب وسقى الضمائر..

المطر لا يكون مطرا إلا إذا أتى من دون توسّل أو طول انتظار..

المطر لا يكون مطرا إلا إذا كنتَ متيقنا أن هناك دفء وثير ومتكأ وثير وصدر وثير ينتظرونك وأنت تغذّ الخطى وحيدا في البرد..

المطر لا يكون مطرا إلا بنا نحن الاثنين، معا، عارِيَين من كل زيف ومتحلِّلَين من كل ضرورة.. وما عدا ذلك جفاف!!

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *