خاص- ثقافات
*محمد بتش ” مسعود”
كان مترنّحاً في مشيته,لقد كسته صفرة الموت لسنين خلت,لكنّه مازال حيّا يرزق.في يده عصا خشبية لفّها بقطعة قماش وخيوط,كان الصبية يشاكسونه ويستفزّونه كثيرا, لكن لم يقترب منه أحد خوفا منه.
كوخٌ تداعت لبناته, وتطاير جزء من سقفه , كان دكّانا فيما مضى,كثيرا ما كان يأوي إليه الرجل ذو العصا الخشبية هربا من ألم البرد.يعلم أهل البلدة الصغيرة أنّه أبكم فلا أحد سمعه يتكلّم, منذ سنوات تعرّض لحادث سير أفقده بعضا من توازنه وعقله.
ذات صباح بارد في الطريق إلى المدرسة,صادفه الأطفال قادما في الاتجاه المعاكس, جميعهم تسمّروا في أماكنهم خوفا منه,رمقهم بنظرة خاطفة وكأنّه يتحاشاهم,وألقى حبّات من الحلوى لهم ومرّ مهرولا,لم يجرؤ أيّ منهم على التقاطها وأطلق الصبية للريح سيقانهم.
لاح فجر هذا اليوم بميلاد فصل الشتاء القارس, قال الحكواتي بصوت رخيم وهو يسعل ويسعل…
اعذروني يا أحبّتي…لقد ألمّت بي حمّى أتعبتني وأستند معتدلا في جلسته ورائحة السجائر تملأ المقهى…يقسم أحدهم أنّه سمع ذلك الأبكم يلقي عليه السلام ذات مرّة.استهزأ به الجميع وقيل له مستحيل…كيف لأبكم أن يتكلّم ؟لذا قرّر أن يتأكّد من ذلك بنفسه, عندما كان ذاهبا إليه ذات ليلة إلى كوخه آخذا له بعض الطعام.لم يكن للكوخ باب, كان ملقى على الأرض وقد أطبق ذراعيه على رأسه وأثنى ركبتيه…لكنّه لم يتحرّك…تحسّس قلبه… حينها تبيّن أنّه قد مات .
قال شيخ البلدة بعدما دُفن الرجل, وجدنا هذه الكرّاسة في جيبه وقد كتب في كلّ صفحاتها إنّه قادم… إنّه قادم…ويسعل الحكواتي مرّة أخرى وأردف مكملا حديثه…تساءل الجميع عن هذا القادم…ربّما الفرح …ربّما الجوع …الله وحده يعلم ما كان يقصده الرّجل …حينها كنتُ أرمق ساعة الحائط.
لقد تأخّر الوقت ,مشيتُ عائدا إلى البيت وقد أرخى القمر نوره على البسيطة وفي نفسي ألف سؤال وسؤال …تراه من يكون؟.