قراءة في رواية قصة حب مجوسية لعبد الرحمن منيف

خاص- ثقافات

*خلود البدري

تعريف بالكاتب : الروائي عبد الرحمن منيف تولد 1933 في عمان الأردن من أب سعودي وأم عراقية وهو من أهم الكتاب العرب في القرن العشرين .
…” في المثل من غربل الناس نخلوه ” .
إذن ، ويل للناقدين ! ويل لهم لأن الغربلة دينهم وديدنهم .
فيا لبؤسهم يوم ينظرون خلال ثقوب غرابيلهم فيرون أنفسهم نخالة مرتعشة في ألوف المناخل ! إذ ذاك يعلمون أي منقلب ينقلبون فيندمون ، ولات ساعة مندم !
أجل إن مهنة الناقد الغربلة . لكنها ليست غربلة الناس . بل غربلة ما يدونه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول … وهو ما تعودنا على أن ندعوه أدبا . فمهنة الناقد أذن غربلة الآثار الأدبية لا غربلة أصحابها . “ص13 كتاب الغربال ميخائيل نعيمة .
أردت أن أعرف القارئ بهذه الرواية التي قرأتها قبل عدة سنوات واليوم أعود لقراءتها من جديد كناقدة.

توقفت كثيرا أمام عتبة النص ، العنوان ” قصة حب مجوسية  ”
: لماذا مجوسية .. هل هناك أشارة للخطيئة ؟
:  للنار التي تعتمل في صدر العاشق ؟
:  للبداية المتقدة والنهاية الرمادية ؟
:  للحزن الذي يعتمل في قلب المحبة ؟
هل هي تفسير للرؤى التي كانت تلاحق العاشق فهو لم يتخلص من شبح المرأة التي يعشقها حتى عندما فقدها في مدينته التي يعيش فيها .
هل لأن القصة حدثت في مكان آخر غير عربي ، فلفظة مجوس من الألفاظ المعربة التي دخلت على اللغة العربية من بعض الأقوام . عموما أنا هنا أبحث عن ، لماذا قصة حب مجوسية ؟!

قصة حب مجوسية أسم الرواية القصيرة والتي تختلف عن روايات الكاتب الأخرى التي كتبت بعدها ، أرض السواد ومدن الملح المنبت وغيرها الكثير،الرواية تتحدث عن علاقة حب من بعيد لامرأة متزوجة ، وتصوير الكاتب بقلمه المبدع للمشاعر التي كان العاشق ينوء بحملها ، هذا الحب الذي لم يكلل إلا بالفراق ! أحبها عن بعد وفقدها في البعد . يصف الكاتب التداعيات التي يمر بها بطل الرواية ، والأفكار التي تنتابه ، حوارات النفس للنفس ، الضجر من كل شيء ، ومحاولة البعد عن الأخريات . بعد ذلك رحلة البحث المضنية ، والصعبة حيث تنتهي فترة سفره إلى المكان الذي التقى فيه ب ” ليليان ” وهو اسم بطلة الرواية ، وبحثه عنها في المدينة عله يراها في مطعم ما ، في شارع ما ، في مسرح ما .. هنا .. وكأنما تبدأ بحثك مع الكاتب ، تجدها له ، فالكاتب يتحدث لقارئه . تشدك الرواية بلغتها العذبة وأسلوبها الشيق فتواصل قراءتها حتى آخر صفحة من صفحاتها .
بعض الأحيان تقرأ لكاتب ما وحتى أن تكن قصة حب ، لكنك لا تستطيع مواصلة القراءة ، تشعر بثقل الأسلوب يطبق على روحك ، فتترك الكتاب تعود له مرة أخرى ، ويحدث معك ذلك أيضا فتقرر ترك قراءته ، والبحث عن غيره لكن هنا تأخذك الرواية إلى عوالمها ، تشدك لغتها الشعرية الجميلة ، والرشيقة ففي صفحة 23 يصف الكاتب حالة الرجل العاشق عند المطر ، يذكره بحبيبته التي كان ينظر لها ، وهي تطلّ من خلال شباك غرفتها في الفندق ..
” الآن نعم الآن وبعد مرور السنين إذا سقط المطر يتملكني حنين لا يوصف لأن أبكي أحس بالدنيا صغيرة . محاصرة وتوشك أن تنتهي … ” كان مطرا كثيفا متواصلا ينبش من الذاكرة الأحزان والذكريات وأنتم تعرفون أن الأحزان الملعونة لا تريد جوقة من المهرجين لكي تنتزع نفسها من أكفانها أنها تنتظر .. وفي لحظة تقف شامخة مزدرية , كأنها كانت تترصد لتنفجر  ”
لغة جزلة وشاعرية روائية غاية في التأنق .
” لم أستطع أن أبقى طويلا ظننت في لحظة ما أني سأموت . وفي لحظة أخرى خفت من البكاء بصوت عال وتصورت نفسي أتحول إلى لعاب لزج وأغرق . أن الذي يجثو على الكرسي الأبيض ، مادا رجليه على طرف السور ، لا يمكن أن يكون مجرد امرأة ، لها عينان حزينتان وقلب من الزمرد .أن ما أراه إمامي كنزا من حنين لا يحلم به طير لحظة الانتقال الأقصى جمالا إلى الريح والأشجار وماء البحيرة العميق .. آه لشد ما أحس بالعذاب .”
تجولت في صفحات الرواية ،وكأني أغور عميقا في أعماق بطلها ، لم أستطع أن أطبطب على كتف العاشق الذي يصر أنه ليس آثما ، وأدنت روحه التي أراد أن يحلق بها في عالم الحب ، فأخفق بحبه المحرم . لهذا اكتوى بنار عشقه المجوسي .
وهنا وضعت يدي على عنوان الرواية .

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *