مايك بَن: هل أنت مستعد للقراءة؟

*ترجمة: نهى الرومي

عندما تقرأ مثل كاتب فإنك تشتغل على استخلاص القرارات التي اتخذها الكاتب، لتفهم بشكل أفضل كيف يمكن لخيارات مشابهة أن تظهر في كتابتك أنت. تكمن الفكرة في أن تفحص ما تقرأه بدقة بالنظر إلى التقنيات الأدبية في النص لتقرر إن كنت تود اعتماد التقنيات نفسها أو تقنيات مشابهة لها في كتابتك.

أنت تقرأ لتتعلم عن الكتابة.

بدلًا من القراءة من أجل المحتوى أو لتفهم الفكرة وراء ما كتب (ما سيحدث تلقائيًا إلى حد ما على كل حال) فإنك تحاول أن تفهم كيف صاغ الكاتب القطعة، وما الذي يمكن أن تتعلمه عن الكتابة من خلال قراءة نص ما. بينما تقرأ بهذه الطريقة تفكر في تأثير القرارات التي اتخذها الكاتب والتقنيات التي استعملها عليك شخصيًا بوصفك قارئًا. ما هو الشيء المكتوب في النص الذي يدفعك للتفاعل معه بهذه الطريقة؟

الهدف أن تحدد وأنت تقرأ ككاتب الخيارات الكتابية الموضحة في النص، والتي تعتقد أنها الأولى.، خيارات واسعة كالبناء العام، أو دقيقة كمفردة استعملت مرة واحدة فقط، أن تنظر في تأثير هذه الخيارات على القراء المحتملين (وعلى نفسك). بعدها تستطيع المضي قدمًا في تخيل الخيارات الأخرى التي كان ليقدم عليها الكاتب، وما تأثير تلك الخيارات المختلفة على القراء.

لنقل أنك تقرأ في الصف مقالًا يبدأ باقتباس قصير للرئيس باراك أوباما عن الحرب في العراق، فما رأيك في هذه التقنية ككاتب؟ هل تعتقد أن افتتاح المقال باقتباس أمر فعال؟ ماذا لو بدأ المقال باقتباس من شخص آخر؟ ماذا لو كان اقتباسًا أطول للرئيس أوباما؟ أو اقتباسًا من الرئيس عن شيء غير الحرب؟

وهنا نصل إلى الجزء الأهم: هل تود تجربة هذه التقنية في كتابتك الخاصة؟

هل تود أن تبدأ مقالك الخاص باقتباس؟ هل تعتقد أن افتتاح مقالك باقتباس من الرئيس أوباما أمر فعال؟ ماذا عن اقتباس من شخص آخر؟

يمكنك أن تصنع قائمة لنفسك، ما هي سلبيات وإيجابيات البدء باقتباس؟ ماذا عن إيجابيات وسلبيات البدء باقتباس من الرئيس؟ كيف يمكن أن يتفاعل قراء آخرون مع هذه التقنية؟ هل ستقدر فئة معينة من القراء (الديموقراطيون أو اللبراليون) مقالًا افتتح باقتباس من الرئيس  أوباما دونًا عن الأخرى (المحافظين أو الجمهوريين)؟ ماذا ستكون إيجابيات وسلبيات البدء باقتباس لشخصية أقل جدلًا؟ أو البدء باقتباس لشخصية أكثر جدلًا ؟

الهدف هو أن تأخذ بعين الاعتبار الخيارات التي اعتمدها الكاتب والتقنيات التي استعملها، ثم تقرر إن كنت تود استعمالها في كتابتك. تشرح الكاتبة والأستاذة ويندي بيشوب كيف تغيرت عملية القراءة بالنسبة لها عندما بدأت تقرأ ككاتبة:

لم يكن حتى قررت أن أعترف بالجملة كمجال لشغفي واهتمامي وتجربتي، عندها أردت أن أصبح كاتبة أفضل، عندها نظرت وراء قراءاتي الأولى، بدأت أسأل: كيف؟ كيف حملني الكاتب على الشعور؟ كيف صاغ الكاتب شيئًا بطريقة التصقت بذاكرتي في حين أن أشياء أخرى تسقط من ذاكرتي بسهولة. كيف وصل الكانب قصده عن نوع الكتابة؟ عن السخرية؟

انتقلت بيشوب من التعبير عن ردات فعلها الشخصية تجاه ما قرأت إلى محاولة اكتشاف كيف قادها (والقراء) الكاتب نحو ردات الفعل تلك. هذا الجهد للكشف عن كيفية بناء الكاتب للنص هو ما يجعل القراءة ككاتب عظيمة الفائدة لطلاب الكتابة.

كيف تختلف القراءة ككاتب عن القراءة العادية؟

نقرأ عادة من أجل المعلومة. نقرأ وصفة لنتعلم كيف نطهو اللازانيا، نقرأ صفحة الرياضة لنعرف ما إذا فاز فريق مدرستنا، نقرأ فيسبوك لنرى من علق على تحديث الحالة، وكتاب تاريخ لنتعلم عن حرب فيتنام، و.مخطط المقرر الدراسي لنرى موعد تسليم التكليف القادم، القراءة ككاتب تتطلب شيئا مختلفا تماما.

في 1940، ناقش شاعر وناقد معروف اسمه ألين تيت طريقتين للقراءة:

هناك عدة طرق للكتابة، لكن بوجه عام هناك طريقتان، توازيان الطريقتين اللتين تثيران اهتمامنا بقطعة معمارية. إذا احتوى المبنى على أعمدة كورنيثية، في وسعنا تعقب أصل وتطور الأعمدة الكورنيثية، نكون مهتمين بالأمر كمؤرخين. لكننا إن كنا مهتمين بالأمر كمعماريين، قد نعرف أو لا نعرف تاريخ الأسلوب هذا، لكن علينا أن نلم ببناء المبنى حتى آخر مسمار فيه، علينا أن نعرف ذلك إن  كنا سنشيد مباني بأنفسنا.

مع أنني لا أعرف شيئًا عن الأعمدة الكورنيثية (ولا أظن أنني أريد أن أعرف عنها أي شيء)، يعد تشبيه ألين تاتس للقراءة بالهندسة المعمارية طريقة جيدة للتفكير في القراءة ككاتب. عندما تقرأ ككاتب فإنك تحاول اكتشاف كيف بني النص الذي تقرأه لتتعلم كيف تبني واحدًا لنفسك. يقدم الكاتب ديفيد جوس مقاربة مشابهة حين يكتب: ”لن تتعلم الكثير من القراءة لو لم تكن تقرأ ككاتب، عليك أن تنظر إلى الكتاب كما ينظر نجار إلى بيت بناه غيره، متفحصًا التفاصيل ليرى كيف صنع”.

ربما علي أن أغير المسمى إلى القراءة كنجار. بطريقة ما تبدو هذه المسميات منطقية جدًا. تقرأ لترى كيف بني شيء ما لتبني شيئًا مشابهًا بنفسك.

لماذا تتعلم كيف تقرأ ككاتب؟

القراءة ككاتب تساعدك على فهم عملية الكتابة بصفتها سلسلة من القرارات. وبممارستها تستطيع أن تتعرف على القرارات المهمة التي قد تواجهها وتقنيات قد تود استعمالها عندما تعمل على كتابتك.

تصبح القراءة بهذه الطريقة فرصة لتتعلم وتفكر بالكتابة.

يحثنا أستاذ الإنجليرية تشارلز موران في جامعة ماشاسوشتس على القراءة ككتاب لهذا السبب:

عندما نقرأ ككتاب نفهم ونشارك في الكتابة، نرى القرارات التي اتخذها الكاتب ونرى الكاتب يتكيف مع تبعيات قراراته، نحن نرى ما يقوم به الكاتب لأننا نقرأ ككتاب، نرى لأننا نكتب ونعرف المنطقة، نعرف إحساسها ونعرف بعض الخدع بنفسنا.

أنت كاتب مسبقًا، أي أنك تحظي بأفضلية فيما يتعلق بالقراءة ككاتب، كل تجاربك الكتابية السابقة -داخل الفصل وخارجه- تساهم في نجاحك في القراءة ككاتب. لأنك كتبت أشياء بنفسك، وتماما كما يقترح موران، فإنك أقدر على رؤية الخيارات التي يتخذها الكاتب خلال قراءتك. وهذا بدوره يساعدك في التفكير فيما إذا كنت تود اتخاذ قرارات مشابهة في كتابتك. وماذا ستكون عاقبتها على قرائك إذا قمت بذلك.

أسئلة تطرحها على نفسك قبل البدء في القراءة

عندما جلست لأكتب هذا المقال تواصلت مع عدد من طلابي القدامى لأسألهم عن النصائح التي قد يوجهونها إلى طلاب جامعيين فيما يخص القراءة بشكل فعال في حصة القراءة، وكذلك لأعرف آراءهم حول القراءة ككتاب.

أود أن أشارك خلال المقال بعضًا من اقتراحاتهم وتجلياتهم. فمن أكثر أهلية لمساعدتك لتتعلم ما يجب أن تعرفه عن القراءة في حصص الكتابة في الجامعة من طلاب درسوا هذه الحصص أنفسهم؟

أحد الأشياء التي ذكرها عدد من الطلاب موصين بالبدء بها قبل البدء بالقراءة هي اعتبار السياق المحيط بالتكليف المطلوب منك وبالنص الذي تقرأه. كما تقول طالبتي السابقة أليسون: القراءة التي مارستها في الجامعة تطلبت مني تخطي كل المقاييس، لا في سعة الأفق وحسب، بل في العمق كذلك. بأخذ التحليل الموضوعي وخلفية السياق في عين الاعتبار.

طلب من أليسون أن تفكر في بعض العوامل التي ساهمت في خلق النص، بالإضافة إلى بعض العوامل التي تؤثر على تجربتها الخاصة في القراءة، العاملان معًا يصنعان سياق القراءة.

طالب سابق آخر اسمه جيمي اقترح أن يتعلم الطلاب السياق التاريخي للكتابة التي سيقرؤونها في الحصة. أستاذ الكتابة ريتشارد ستراب يصيغها بهذه الطريقة: لن تقرأ نصًا وحسب، ستقرأ نصًا بسياق معين، مجموعة من الظروف، هو نوع من الكتابة أو آخر. مصمم لشريحة معينة أو لهدف أو لآخر.

  • من بين العوامل السياقية التي تود أخذها في عين الاعتبار قبل القراءة:

-هل تعرف هدف الكاتب من هذه القطعة المكتوبة؟

-هل تعرف الفئة المستهدفة من هذه القطعة المكتوبة؟

الوارد أن تحتاج للبدء في القراءة قبل أن تتمكن من الإجابة على هذين السؤالين، لكنه من القيم أن تحاول الإجابة عليهما قبل البدء في القراءة.

على سبيل المثال: إذا علمت مثلًا أن الكاتب يقصد فئة خاصة من القراء، فإن تقنياته في الكتابة قد تبدو أقل أو أكثر فعالية عما إذا كانت موجهة إلى جمهور أعم.

وقياسًا على ذلك وبالعودة إلى المثال السابق عن اقتباس من الرئيس أوباما عن الحرب في العراق، إذا علمت أن الكاتب يهدف إلى طرح بعض مخاطر حالة الحرب ومساوئها، فقد تكون هذه افتتاحية فعالة حقًا، إذا كان الهدف تشجيع الأمريكيين على استعمال واقي الشمس في الشاطئ فإن هذه الافتتاحية ليست منطقية أبدًا.

طالبة سابقة أخرى اسمها لولا، قالت أن معظم الواجبات القرائية في حصص الكتابة في الجامعة كانت مصممة ”لتحث على التحليل والنقد في الأسلوب والبناء، والهدف من الكتابة نفسها.

  • إلى أي نوع من الكتابة تنتمي؟

أمر مهم آخر يعتبر قبل القراءة هو مجال النص. التصنيف يحتمل عدة معان مختلفة في حصص اللغة الانجليزية في الجامعة. لكنه عادة ما يستعمل للإشارة إلى نوع الكتابة (قصيدة أم مقال صحفي أم مقال أم قصة قصيرة أم رواية أم مستند قانوني أم كتيب إرشادات… إلخ. لأن الأعراف تختلف كثيرًا من تصنيف إلى آخر، (من سمع بمقال صحفي من تسعمئة صفحة؟) تقنيات فعالة في نوع ما من الكتابة، قد لا تكون فعالة في نوع آخر. يتوقع كثير من القراء مثلًا سجعًا في الأشعار وأغاني البوب، وقد يكون رد الفعل سلبيًا إذا كتبت وثيقة قانونية أو دليل استعمال بهذه الطريقة.

ويقول مايك، طالب سابق آخر، معلقًا على أهمية نوع النص في القراءة:

أعتقد أن جزءًا كبيرًا من طريقة قراءتي يعتمد بالضرورة على نوع النص الذي أقرأه. حين أقرأ الفلسفة أبحث عن أسماء موصولة (بل، بما أن، مع ذلك، على الرغم من) موضحة اتجاه النقاش. عندما أقرأ الروايات أو الأعمال الإبداعية غير الأدبية، أبحث عن كيفية إدراج الكاتب للحوارات أو الشخصيات في السرد أو في الأجواء المحيطة. بعدما قرأت “إلى المنارة” لفيرجينيا وولف الفصل الماضي لاحظت كم أصبحت منتبهًا لنوعية السرد (السرد الروائي، السرد اللاشخصي المبني للمجهول، السرد النفسي، السرد الواقعي) وكيف تستعمل هذه الطرق المختلفة لتحقق التأثير العام للكاتب.

مع أن مايك ذكر ما يبحث عنه عندما يقرأ رواية تحديدًا، إلا أن أحد أروع الأشياء في القراءة ككاتب هو أنها تستعمل بالتكافؤ كذلك مع العمل المنشور أو العمل الذي ينتجه الطلاب على حد سواء.

  • هل هذا النوع من الكتابة هو نفسه الذي ستكتبه أنت؟

يساعدك أن تعرف مسبقًا طبيعة التكليف الكتابي الذي سيطلب منك، في القراءة ككاتب. ربما من المستحيل (وبالتأكيد يستهلك الكثير من الوقت) أن تستخرج الخيارات التي اختارها الكاتب كلها، والتقنيات التي استعملها الكاتب كلها، لذا من المهم أن تحدد أولوياتك وأنت تقرأ. أن تعرف ما الذي ستكتبه أنت يساعدك على ترتيب الأولويات والمفاضلة.كما يحدث  في حال حدد لك مدرسك النص الذي تقرأه ليخدمك كنموذج لطبيعة الكتابة التي ستمارسها لاحقًا.

جيسي -طالبة سابقة- تقول: ”في حصص الكتابة في الجامعة كنا نعرف أننا نقرأ لهدف، لنتأثر أو لنستلهم أعمالنا. القراءة التي مارستها في مناهج الكتابة في الجامعة  كانت دومًا مخصصة لنوع معين من الكتابة، مما يسمح لي بالتركيز والتجريب بعمق في هذا النوع المحدد من الكتابة دون التهاء”.

إذا كان النص الذي تقرأه نموذجًا لنوع خاص من الكتابة -حساس جدًا أو فكاهي مثلًا- فالقراءة ككاتب ستساعدك كثيرًا لأنه يمكنك أن تنظر إلى قطعة تقرأها، وتفكر فيما إذا كنت تود أن تتبنى أسلوبًا مشابهًا في كتابتك. قد تلاحظ أن الكاتب يحاول أن يشعل العاطفة في القراء وتفحص التقنيات التي يستعملها ليفعل ذلك، ثم تقرر إذا ما كانت هذه التقميات تتماشى مع كتابتك. قد تلاحظ أن الكاتب يستعمل النكات الطرائف وتفكر فيما إذا كنت تود استعمالها في كتابتك، كيف سيكون وقعها على قرائك المحتملين؟

أسئلة تطرحها خلال قراءتك

من المفيد أن تستمر في طرح الأسئلة على نفسك حين تقرأ ككاتب. في بدايات تعلمك للقراءة بهذا الأسلوب الجديد، ربما تود الاحتفاظ بمجموعة من الأسئلة مكتوبة أو مطبوعة أمامك لترجع إليها خلال قراءتك. في نهاية الأمر -بعد الكثير من التدريب- ستبدأ بطرح أسئلة معينة وتحديد أشياء معينة في النص بصورة تكاد تكون تلقائية. تذكر أنها تعتبر طريقة جديدة للقراءة بالنسبة لمعظم الطلاب، وعليك أن تدرب نفسك على إتقانها. ولا تنس أنك تقرأ لتفهم كيف كتب النص -كيف بني المنزل- أكثر من فهم معنى الأشياء التي تقرؤها أو تقييم جودة النص.

أولا: عد إلى السؤالين اللذين اقترحت أن تطرحهما قبل الكتابة:

-ما هو هدف الكاتب من هذه القطعة من الكتابة؟

-من هو الجمهور المعني بالنص؟

فكر في هذين السؤالين مرة أخرى بينما تقرأ. ربما لم تستطع الإجابة عليهما قبلًا، أو أن أفكارك ستتغير بينما تقرأ. معرفة سبب كتابة القطعة ولمن كتبت سيساعدك على تفسير قرارات الكاتب ولماذا استعمل تقنيات معينة في الكتابة. وتستطيع تقييم اختياراته وتقنياته على أساس مدى تحقيقها لهذا الهدف و/أو وصولها إلى الجمهور المعني.

توجد غير هذين السؤالين المبدئيين قائمة لا نهائية من الأسئلة التي يمكن أن تطرحها فيما يتعلق بقرارات الكتابة وتقنياتها.

إليكم بعض الأسئلة التي تطرحها الطالبة السابقة كلير على نفسها:

عندما أقرأ أميل إلى توجيه مليون سؤال إلى نفسي، لو أنني أنا من يكتب هذا النص، كيف سأمضي/سأجري بالقصة؟ وإذا اختار الكاتب اتجاهًا مغايرًا لتوقعي (وهذا ما يحدث عادة)، فأسأل نفسي: لماذا فعل ذلك؟ وما الذي يحاول قوله؟

تحاول كلير أن تفهم لماذا اتخذ الكاتب خطوة لم تتوقعها، لكن الأهم أنها تسأل نفسها ماذا ستفعل هي لو كانت مكان الكاتب. تصبح قراءة النص فرصة بالنسبة لكلير لتقكر في دورها الشخصي ككاتبة.

إليكم أمثلة أخرى لأنواع مختلفة من الأسئلة التي قد تطرحها على نفسك إذ تقرأ:

-ما مدى فعالية اللغة التي يستعملها الكاتب؟ هل هي مفرطة الفصاحة متنطعة؟ تنقصها الفصاحة؟ أم مناسبة تمامًا؟

بناء على الموضوع والجمهور المعني، قد يكون من المنطقي أن تكون متنطعًا أكثر أو أقل فيما يختص باللغة، فحين تبدأ بالقراءة تستطيع أن تسأل نفسك إذا ما كان اختيار المفردات موفقا والنبرة/اللغة موفقة.

-ما نوع الأدلة التي يستعملها الكاتب ليدعم أقواله؟ هل يستعمل إحصائيات؟ اقنباسات من شخصيات معروفة؟ مواقف أو قصص شخصية؟ هل يذكر ما يستشهد به من كتب أو مقالات؟

-ما مدى مناسبة وفعالية هذا الدليل؟ هل يكون نوع آخر من الأدلة أو مجموعة من الأدلة أكثر فعالية؟

تحدد طبيعة الأسئلة إلى حد ما بمجال الكتابة الذي تقرأه. على سبيل المثال فحص الأدلة التي يستعملها الكاتب ليدعم عمود رأيه الصحفي، لكنه أقل أهمية إذا كنت تقرأ قصة قصيرة. عادة ما يهدف عمود الرأي إلى إقناع القراء بشيء ما، لذا تكون الأدلة المستعملة عادة بالغة الأهمية. قد تهدف القصة القصيرة لإقناع القراء بشيء ما أحيانًا، لكنه على الأغلب ليس بنفس الطريقة. نادرًا ما تحتوي القصة القصيرة على ادعاءات أو أدلة بنفس الطريقة التي نراها في الأعمدة.

-هل هناك مقاطع في الكتابة تجدها محيرة؟ ما الذي تجده غير واضح أو محير في تلك المقاطع؟

من الطبيعي أن تشوش في بعض المقاطع أثناء القراءة، خاصة عند القراءة للحصة، فسيساعدك أن تمعن النظر في القطعة لتكتشف ما الذي شوشك تحديدًا، بهذه الطريقة ستتعلم كيف تتجنب هذه المشكلات في كتابتك.

-كيف يتحرك الكاتب من فكرة إلى أخرى في كتابته؟ هل الانتقالات بين الأفكار فعالة؟ كيف يمكنه أن يتنقل بين الأفكار خلاف ذلك؟

لاحظ أنني في هذه الأسئلة أحثك على التساؤل حول ما إذا كانت الجوانب المختلفة من الكتابة فعالة و ملائمة، بالإضافة إلى استحسانك لها من عدمه. تريد أن تتخيل شكل استجابة القراء لكتابتك وللتقنيات التي حددتها. أن تقرر ما إذا استحسنت شيئًا أم لا يعود إليك وحدك، اعتبار تقنية ما ملائمة او فعالة يسمح لك بالتساؤل حول ما قصد الكاتب أن يفعله، هذا مهم لأنه الشيء نفسه الذي ينبغي أن تفكر به خلال كتابتك. كيف سيتفاعل القراء مع هذه التقنية التي أستعملها، لهذه الجملة، للكلمة؟ اسأل نفسك خلال قراءتك عما يقصده الكاتب في كل خطوة، ثم فكر في مناسبة هذه التقنية او الاختيار في كتابتك.

ماذا عليك أن تكتب وأنت تقرأ؟

الاقتراح الأكثر ورودًا من قبل الطلاب السابقين (أجمعوا عليه كلهم)، هو أن تؤشر على النص، وتكتب تعليقات على الهوامش، وتلخص ما تقرأه خلال القراءة وبعدها. عادة ما تصبح الملاحظات التي يأخذها الطلاب وقت القراءة أفكارًا أو مواد يستعملها الطلاب في أوراقهم الخاصة. من المهم أن تقرأ حاملًا قلمًا أو مؤشرًا لتتمكن من التخطيط على النص مباشرة، على تلك المقاطع التي ترى فيها خيارًا مثيرًا للاهتمام اتخذه الكاتب، أو تقنية أدبية ربما تود استعمالها. شيء أحب القيام به هو أن أخطط وأحدد المقطع نفسه، ثم أحاول الإجابة على الأسئلة في دفتري:

-ما التقنية التي استعملها الكاتب هنا؟

-هل هذه التقنية فعالة؟

-ما هي الإيجابيات والسلبيات لتجربة التقنية نفسها في كتابتي؟

عبر طريقة التأشير وأخذ الملاحظات هذه ستنتهي بقائمة قيمة من التقنيات الواضحة في متناول يدك عندما يحين وقت كتابتك.

أود أن أختم الموضوع بمشاركة تعليق أخير لطالبة سابقة اسمها لولا، يتكلم هذه المرة عما تعنيه لها القراءة ككاتبة:

القراءة ككاتبة تجبرني على التساؤل عما دفع الكاتب لأخذ تلك القرارات، ومن ثم أقرر النافع منها من غير النافع. ما الذي كان سيحسن الفصل أو يسهل استيعابه؟ كيف أسقط بعضا من أساليب كتابته الجيدة في كتابتي؟ كيف أتعلم من النواحي التي أرى أن الكاتب أخفق فيها وأتأكد من أن لا أرتكب الأخطاء نفسها في كتابتي؟

التساؤل حول قرارات الكاتب، واعتبار التقنيات التي كانت ستحسن النص، وتقرير كيفية إسقاط ما تقرأه على كتابتك الخاصة. هذا ما تدور حوله القراءة ككاتب.

هل أنت مستعد لتبدأ القراءة؟

__________
*تكوين

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *