صـوف

خاص- ثقافات

*محمود شقير

النعاج في المرعى، يرعاها البدوي ومعه حماره وكلبه. الحمار ينهق بين الحين والآخر دون سبب مقنع، فيبدو كمن يمارس خروجاً فظّاً على نصّ البرية التي تتمدّد في استرخاء تحت شمس الظهيرة الحارقة. الكلب يعرف الأصول خير معرفة، ينـزوي بالقرب من صخرة وينام، ينام على نحو مفرط في النوم، وبما يوحي بأن الأمن مستتبٌّ تماماً، ربما لأن المدى مكشوف، فلا خوف من مداهمة الذئاب للقطيع على حين غرّة، وربما لأن القطيع هاجع في السهل الآن، فلا خوف عليه من الضلال في الشعاب البعيدة. الكلب ينام على جانبه الأيمن، ماطّاً رقبته إلى أقصى حدّ ممكن، تاركاً لذنبه فرصة الانتشار دون محاذير، والبدوي يشرب الحليب من وعاء قديم، يستغرق في أحلام يقظته التي تتمحور غالباً حول الذئاب.

الحمار يخرج على النص مرّة أخيرة ثم يصمت كما لو أن ندماً مفاجئاً أصابه، والبدوي يتأمل كلبه النائم، يغبطه على ما هو فيه من دعة واطمئنان، والمرأة تغزل الصوف بمغزلها اليدوي، تدحرجه على فخذها العاري، الذي تداعبه نسمات الريح القادمة من رؤوس الجبال، كما لو أنها تحمل معها رسائل خفية مكتومة.

البدوي ينام مثل طفل على إيقاع الحليب، وبائع الحلوى الذي اعتاد أن يزور المضارب مرّة كل شهر، يقترب من المرأة التي تغزل الصوف، المرأة تسحب ثوبها إلى أسفل بحركة سريعة من يدها، لأنها لا تريد لبياض الفخذ أن يظلّ معروضاً أمام البائع، والبائع يعرض عليها أصنافاً من الحلوى، تضع المغزل في حضنها، تبدو حائرة أيّ صنف من الحلوى تختار، والكلب ينهض مجفلاً من نومه، ينبح في فزع، كما لو أنه يشمّ رائحة ذئب قريب.

___________
*روائي وقاص فلسطيني / من مجموعة “صورة شاكيرا” (2003).

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *