سأكتب ذات مساء قصيدة

خاص- ثقافات

*محمد مراد اباظة

أقولُ: سأكتبُ ذاتَ مساءٍ قصيدةْ
فَثَمَّ هواجسُ تحتلّني من زمانٍ… زمانْ
وتدهَمُ صحويَ بالوسوساتِ لكي تستفزَّ خبايا الهشاشةِ فيَّ
فأفقدَ آخرَ ما أدَّعيه من الإتّزانْ
وثَمَّ هزائمُ يوميّةٌ تبتدي باجتياحيَ منذُ الصَّباحِ
ولا تنتهي بانهياريَ ليلاً كجثّة وقتٍ محاصَرةٍ
بينَ ماضٍ وآتٍ تُموّهُها تأتآتُ القصائدْ
هزائمُ لا تكتفي باغتيالِ الشؤونِ الصغيرةِ واللحظاتِ الأليفةِ
والثرثراتِ الشجيّةِ في أُخرياتِ الليالي إذا ما جفانيْ رحيقُ الوسائدْ
ولا تكتفي باغتيالِ خصوصيّةِ كلِّ جمالٍ نبيلٍ ألوذُ بهِ
من تفاصيل ما حولنا من مَشاهدِ هذا الخواءْ
وثَمَّ مآتمُ تسكنني منذ أدركَ قلبيَ أوّلَ طَعم لمعنى البكاءْ
ومنذ تفتُّحِ أوَّلِ مفردةٍ في رُبا الذّاكرهْ
وثَمَّةَ طفلٌ ظميءٌ يُشاغبُ في الصَّدر منذ تَكسَّرَ أوَّلُ أحلامهِ،
وتوسَّدَ أوّلَ يُتمٍ،
وأدمنَ عشقَ التحرُّر من طاعة العقل ليعدوَ مُهراً طليقاً
إلى شيطنات طفولتِهِ في سُفوح الضياءْ
وثَمَّ حكاياتُ ماضٍ قريبٍ بعيدٍ
تُحوّمُ حوليَ طالعةً من ضباب المتاهة مثخنةً بجراح الفجيعةْ
وتوقظُ أصداؤها من رماد التواريخ أسلافيَ الرّاحلينْ
فيتّكئونَ على ما تبقّى من المرثيات وجدوى الحَنينْ
ويروونَ ليْ في أتون التواجد أوجاعَهُمْ من جديدْ
فأبكيْ لديهمْ،
وأرثيْ لهمْ،
ثُمَّ أرثيْ لقلبيَ من بعدهمْ،
وأُقيمُ صلاةَ الوفاء لأحلامهمْ،
وأُقبّلُ أطيافَهُمْ قبلَ أنْ يرحلوا في سديم الأساطيرِ،
لكنَّهُمْ لا يرحلونْ
يُقيمونَ قُربيَ لوناً نديّاً يُوَشّحُ همسَ الهواء
وصوتاً شَجيّاً يُضمّخُ صمتَ المكانْ
يعيشونَ في كُتُبيْ ودفاتر شعري،
في نمنمات الكآبة للغرفة الفوضويّة،
في خَلوة الفكر،
في غفوة الوعي،
في وطأة اللحظات الوجيعةْ.
وثَمّ الكثيرُ.. الكثيرُ من الكلمات العَصيَّة ما قلتُها،
والكثيرُ.. الكثيرُ من الرَّغبات الأثيرة ما نلتُها،
والكثيرُ.. الكثيرُ من المعصيات الصغيرة
تزحمُ بالوشوشوات الخبيثة مَنْعةَ نفسيَ كي أستجيبَ لها،
فأبوح بما لا يُباحُ،
وأُعلنَ زُهديَ في تُرَّهات الوقار البليدةْ
لهذا أقولُ، ومنذُ سنينَ: سأكتبُ ذاتَ مساءٍ قصيدةْ.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *