*الصَّادق الرضي
رحلت الشاعرة البريطانية من أصل إيرلندي سارة ماغواير بعد معركة ضارية مع مرض السرطان، في مستشفى في غرب لندن، بعد منتصف ليلة الثلاثاء الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
ماغواير (60 عاماً) أول كاتبة بريطانية أرسلها المجلس الثقافي البريطاني إلى فلسطين واليمن، وقد عملت بدأب على تقديم الشعراء العَرب إلى الجمهور البريطاني، وترجمت قصائد لمحمود درويش وغسان زقطان وآخرين. وكانت شاعرة مُقيمة في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، حيث قدّمت دروساً في ترجمة الشعر، وهي معروفة في المملكة المتحدة بإسهاماتها الإذاعية في برامج الـ«بي بي سي» الثقافية، وكذلك بمقالاتها في المجلات والصحف البارزة، وهي مؤسسة ومديرة مركز ترجمة الشعر في لندن.
لها ثلاثة دواوين «حليب مُراق» 1991، «الراتقة الخفية» 1997، «دكان الأزهار في منتصف الليل» 2002، وضعتها في موقع متقدم من شعراء المملكة المتحدة المعاصرين، مختارات من أعمالها الشعرية – مترجمة إلى اللغة العربية – صدرت عن دار المدى للطباعة والنشر عام 2003، في كتاب حمل اسم «حليب مراق». كما أعدّت وقدّمت أنثولوجيا فريدة هي «النبت الشعري» التي تضم قصائد عن الأزهار والنباتات والأشجار عبر سبعة قرون من الشعر الإنكليزي، بالإضافة لديوان شعري آخر هو «رمان قندهار» صدر سنة 2007 ومختارات شعرية من أعمالها صدرت بالإنكليزية في السنة الماضية.
معجبة بالشعر العربي لأنه يؤخذ بجدية:
هي لا تقرأ باللغة العربية، لذا لا يمكن أن تكون حكما عادلا فى الشعر العربي، قالت: «لا أقرأ إلا القصائد المترجمة إلى الإنكليزية. ما يحركني، عموما، هو مدى أهمية الشعر المكتوب بالعربية. كتابة الشعر هنا شيء ذو أهمية أقل. بعبارة أخرى، أنا معجبة بالشعر العربي لأنه يؤخذ بجدية، لكن وعلى صعيد مختلف أنا سعيدة لأنني أعيش هنا، أكره أن أكون مشهورة بمستوى الشهرة التي يتمتع بها بعض شعراء العربية». وهي أول كاتب يبعثه المجلس البريطاني إلى فلسطين (1996) واليمن (1998). قالت: «ذهابي إلى فلسطين خلق تأثيرا إيجابيا بالنسبة لي وأصبحت مهتمة بالسياسة، الأدب الإنكليزي محافظ ومحصور في الوقت الحالي ويبدو غير منطقي، باعتبار أن معظم الشعر المكتوب بالإنكليزية، خاصة من قبل شعراء الرومانتيكية من أمثال بليك، شيللي، كليرج.. وكذلك الذين كتبوا في ثلاثينيات القرن الماضي، الذين اشاروا إلى الحرب الأهلية الإسبانية (أودين، ماكنيس، سبيندر) تحاشوا السياسات المتشددة. لكن المشهد الشعري في إيرلندا الجمهورية والشمالية، كان متشددا أيضا، ولا غرابة في ذلك بسبب التوتر السياسي هناك منذ الستينيات». من هنا جاء انزعاجها ولم تك ترغب في أن تكون جزءا من رواد الشعر السياسي، لأنه دعاية وليس شعرا – على حدِّ تعبيرها.
قالت ماغواير، عن عملها في الترجمة: «عندما وصلت إلى فلسطين وفي أول اتصال مع الشعراء الفلسطينيين أدركت أن في إمكاني فعل شيء مهم. العمل مع الشعراء والمترجمين لتقديم نسخة مترجمة للإنكليزية من الشعر الفلسطيني ممكن وهناك أمل في أن يكون تأثير هذه الترجمات بالغا على القراء الإنكليز لذلك شرعت في هذا العمل».
الشعر تقاليده عتيقة:
القصيدة بمجرد الفراغ من كتابتها تشعر بحاجة لإعادة قرأتها. بالحق الشعر لا ينتهي أبدا. قالت ماغواير: «أحب الشعر الإيحائي، إنه يضع الشيء بعد نقيضه، الشعر يعيش في المفاصل التي تربط بين الصور والقصيدة لا تقول ماذا تفعل، الشعر أكثر مرونة من النثر. في أولى قصائدي «يوم من شهر مايو» كتبت عام 1986، بدأت من تقرير الطقس، ثم عرجت إلى حديقة، وتحدثت عن كارثة مفاعل تشرنويل الروسي، وعن الروائي الإنكليزي جين اوستن، ثم خاطبت أصدقائي في بولندا، كل ذلك في سطور لا تتعدى أصابع اليد». واستطردت: «نعم، الكتاب البريطانيون جبلوا على الرواية، وظل الحال هكذا طوال الثلاثمئة عام الماضية، لكن للشعر عندنا تقاليد عتيقة بالطبع اتكأت عليها، ربما ما جذبني للشعر كونه الأقل شعبية، وكونه هامش، أيضا ربما كنت محظوظة لتأثري بعمق تلك القصائد التي كتبت بالإنكليزية خارج بريطانيا، تلك المقبلة من إيرلندا وبشعر نساء الولايات المتحدة، بدءا من أيملي ديكنسون 1830- 1886، وسيلفا بلاث 1932-1963)، اليزابيث بيشوب (1911-1979)، حتى أدرايني ريتش المولودة عام 1929».
هكذا دبَّرت أمرها:
سارة ماغواير من والدين معلمين في المدارس الابتدائية (من عمر 7-11) وكلاهما جاء من بيئة فقيرة. والدها كان عازف بيانو ماهرا، لم يكن عازفا محترفا، لكن كان متفهما لمسألة كونها شاعرة. نشأت محاطة بالكثير من الموسيقى، كانت لأمها ملكة لغوية كبيرة، وتعلمت القراءة منذ أن كانت في سن الثالثة أو الرابعة، كانت تمارس مع أمها ألعابا لغوية ما نمَّى عندها ملكات اللغة.
كانت طفلة وحيدة وغير سعيدة، ليس لها إخوة أو أخوات، تقرأ طوال اليوم، قرأت الكثير من الكتب ـ لم تكن تفهمها حينها. لكن تأثير بعضها ظل قويا؛ بدأت تكتب الشعر، عندما كانت في سن الرابعة عشرة او الخامسة عشرة، وتميل بشدة إلى الشعر المعاصر. بصفة خاصة القصائد الإيرلندية المعاصرة لشعراء مثل؛ سيموس هيني (1939)، ميشيل لونغلي (1939)، ديريك ماهون (1941)، توم باولين (1949) وباول مولدوون (1952). كلهم كانوا يكتبون أثناء فترة المقاومة السياسية في شمال إيرلندا، أعمالهم كانت مليئة بالتأريخ والسياسة، على غير الأعمال ذات النظرة الداخلية التي كتبت في بريطانيا. أيضا استفادت من البرامج الإذاعية المؤثرة حول الشعر في الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في السبعينيات، وكانت كثيرة آنذاك.
مرَّت بأيام قاسية في المرحلة الثانوية (11-18) طردت من المدرسة ولعدم رغبتها العيش في مكان ممل ومحصور، قامت بعمل انقلابي، كان ذلك في عام 1974، لم يكن المجتمع الإنكليزي- آنذاك- يسمح للنساء بفعل بعض الأشياء، قررت أن تتدرب للعمل في الحدائق، لم يكن من المعتاد أن تعمل امرأة كـ(جنائني)، وعلى العكس تماما من أن تكون فى مدرسة بنات الطبقة العليا أصبحت عاملة يدوية تعمل بين الرجال، لكن تغير الوضع وأحبت هذا العمل، رغم كونه عملا بدنيا شاقا، أحبت معرفة كيف تنمو النباتات، أحبت تاريخ الحدائق، من أين أتت، من يملكها، وأكثر ما أحبت مفردات علم النبات.
خلال هذا الوقت كانت ناشطة سياسية، وفي ذلك الزمن في بريطانيا، كان ينظر إلى الشعر على أنه شيء بورجوازي ورجعي، شيء مسموح به فقط للأغنياء البيض، لذلك تركت كتابة الشعر لفترة من الزمن لتعارضه مع معتقداتها السياسية، لكنها لم تصمد فهي على حد تعبيرها: «أحتاج أن أكتب الشعر من أجل أن أكون».
ذهبت إلى الجامعة في السابعة والعشرين من عمرها لدراسة اللغة الإنكليزية والمزيد من الشعر، وشرعت في تحضير الدكتوراه في جامعة كامبريدج ولم تكمل. في عام 1991 نُشر كتابها الأول، وشغلت نفسها ببعض الوظائف المؤقتة (عملت وسط مرضى الإيدز وفي السجون وسط الشباب) بالإضافة إلى تقديم الحوارات لصالح القسم الثقافي فى إذاعة «بي بي سي»؛ حتى أسست مركز ترجمة الشعر في لندن سنة 2004؛ هكذا دبَّرت أمرها.
_______
*القدس العربي
مرتبط