المهجّرون

خاص- ثقافات

*طالب همّاش

حاملينَ جرارَ الشتاءِ العتيقة َ
نرتحلُ اليومَ لا نادمينَ ولا أسفينْ !
حاملينَ جرارَ الحنينِ المليئةَ بالحسراتِ ،
وحزنَ الفراقِ الكبيرَ
نجرُّ مواويلنا كالمحاريث ِ
فوق السهوبِ الجريحةِ
والأرضُ سفّانةٌ للرحيلِ
نجرُّ العذاباتِ تلو العذاباتِ
في طرقاتِ المغيبِ البعيدِ
ونأفلُ كالبشرِ السودِ فوق اسودادِ الأراضينْ !

حاملينَ جرارَ الأسى
وقدورَ السنينِ المليئةَ بالجوعِ
نرتحلُ اليومَ في مُقفرِ الأرض ِ
والحزنُ يملأُ جوَّ المغيبِ
مواويلنا السودُ تعلو ممزّقةَ الصوتِ
فوقَ الحقولِ الحصيدةِ
والأغنياتُ التي أجهشتْ بالبكاءِ
تدقُّ كؤوسَ الصدى بكؤوسِ الأنينْ !
وهنالكَ خلف حفافي المدى
تتراءى البواخرُ كالذكرياتِ المسنّةِ
فوق صحارى الرحيلِ
ويبزغُ قلبُ الوداعِ البعيدُ
قبالةَ أرواحنا
كهلالِ القفار الحزينْ !
لا غيومَ تقطّرُ أمطارها الباكياتِ
على ترعِ الدمعِ
لا أمّهاتُ الأغاني
تهزُّ الغرابيلَ ناخلةً وحشةَ الروحِ
لا شيءَ غيرُ النواعيرِ _أرملة الأمسياتِ –
تدوّرُ ماءَ المرارةِ في محضنِ الأرضِ
عازفةً بالعنينِ المعذّبِ
لحنَ المواتِ الضنينْ .
لا رفوفُ الحمامِ تحطُّ على شرفاتِ الوداعِ
لتبكي فراقَ القرى في الغروبِ
ولا طرقاتُ الخطايا التي تتقهقرُ بين الجرودِ
تدلُّ جياعَ القوافي
إلى ذلكَ المطلعِ الطلليِّ
المعلّقِ فوقَ جدارِ الدموعِ
ولا الريحُ قادرةٌ أن تخطَّ على الأرضِ
مسرى الخلاصِ لقافلةِ الضائعينْ .

رغمَ كلّ المرارةِ في الريحِ
رغم لهيبِ الحرارةِ في مجمرِ الروحِ
رغمَ العزاءِ الذي تتهاطلُ غصّاتُهُ
عبرةً عبرةً من غيومِ الشمالِ المضلّةِ
يرخي العنانَ لغصّاتهِ في المساءِ
غريبُ المنافي الحزينْ !
كلماتُ البكاءِ الكبيرةُ مكتوبةٌ
في جدارِ المغيبِ الرماديِّ
يقرأوها الراحلونَ
وأشجارُ من فارقونا
يرفرفُ منطوقُهَا الميتُ
فوقَ العراءِ المعبّدِ بالدمعِ ..
يا حاملينَ متاعَ الكهولةِ
هل تسمعونَ المراثي التي تتكرّرُ أنغامها
في براري الأسى المقفره ؟
وصراخَ الشرورِ التي تتراقصُ
رقصَ الذئابِ على الجمرِ ..
هل تسمعونَ غناءَ السنابلِ
فوق السهولِ
التي تتموجُ خلفَ اخضرارِ البحيراتِ
أو تتهادى شراشفها
كالسحابةِ فوق سماءِ القرى  ؟
يا بكاءَ الكمنجةِ  بعد فراقِ الأحبّةِ
رخّمْ رثاءكَ
إنَّ حنوَّ المحبّينَ في رقّةِ القبّره !
لم تعدْ هذه الريحُ غير شبّابة ٍللحفيفِ
الذي تتنابحُ وحشتَهُ في عراءِ الخريفِ..
وتلكَ الجذوعُ التي تذرفُ الدمعَ مرّاً
سوى رُحّلٍ تتأرجحُ مثل المراكبِ وقتَ المغيبْ .
حاملينَ جرارَ الشتاءِ العتيقةَ
نرتحلُ اليومَ كالغرباءِ ،
غريباً يجرُّ غريبْ !
حاملينَ جرارَ البكاءِ الكبيرةَ
نرتحلُ اليومَ كلٌّ إلى مقبره .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *