نوفمبر 3, 2017
***
الحلم، هو لُحمة القصّة، أو الأقصوصة، في هذه المجموعة، فتكاد لا تخلو قصّة واحدة فيها، والتي تجاوزت المئة والعشرين، من موضوعة الحلم. ناهيك عن أن البنية التي يقوم عليها السّرد مشيّدة بمادة الحلم نفسه: لغة رقيقة، وخيالاً شفيفاً جامحاً، وشخصيّات شاعريّة، ومكاناً لامرئياً، حتى لو رأينا أن مكان السّرد مجروحاً، أحياناً، بوجود جنود الاحتلال ودورياتهم الفظة، ما يومئ إلى المكان الفلسطيني غالباً.
وفي أحلام شقير، يطل الحلم على الحلم؛ تدخل الحبيبة دون استئذان أو إنذار إلى حلم الحبيب، كحقّ من حوقها المشروعة، ويقول الحبيب إنه لا يحلم إلا بالقرب من حلم الحبيبة. والأحلام هناك تبقى بالغة الحساسيّة، حتّى أنه يمكن أن يصيبها البلل، فسقف الحلم قابل للامّحاء والخراب، وجدار الحلم يمكن أن يكون مثقوباً. ومع ذلك لا يفقد الحلم قدرته على تحقيق الرغبات، ليس بالمعنى الفرويدي للكلمة، كإشباع رمزي للرغبة المكبوتة، وإنما بالمعنى الدقيق للكلمة. بمعنى فعاليّة الحلم كمنقذ من مأزق واقعي محدّد..”وأنا رحت أحلم حلماً يعيدنا معاً من ذلك السفح حتّى لا نقع في محظور ما“.
ولأننا نعيش في أرض الأحلام، سنجد أن الأشياء متميزة بالشفافيّة والرّقة، ونلحظ فيها خفّة الكائنات، بحيث تبدو الأجساد بالغة الطلاقة، وسهلة الانطلاق، تطير بلا أجنحة، وتتحرر من ظلّها، فأنت تستطيع أن تمضي ليبقى ظلّك في المكان؛ فيتحقق وجود الظلّ بمعزل عن وجود الجسد. كما يمكن للمرء، في ذلك العالم الشفيف، أن يحلم أنه يحلم، وهو أمر يُقرّب الإنسان من أقرب حالات يقظته، أو كما يقول “نوفاليس”: “حين نحلم أننا نحلم، فتلك بداية اليقظة”. ومثل تلك الشخصيّات لا تحلم أنها تحلم فحسب، بل يمكنها أن تذهب أبعد من ذلك، فتنام أثناء نومها، أو تستيقظ في الحلم أثناء سباتها.. “حلمتُ انني صحوت“!
ثمّة أمور لا تحدث في الحلم فقط، وإنما في حلم الحلم. وهنا يمكن توحيد حلميّ الحبيبين في حلم واحد، دلالة توحّد الروحين والغاء المسافات بين قلب الحبيب ونصفه الآخر. أو يمكن للحبيبين أن يتعاهدا على اللقاء في حلم واحد منهما “لعلنا نلتقي في حلمي أو في حلمها”، أو يمكن للمرء، في ذلك العالم، أن يجري تعديلاً على حلمه ليوائم رغباته. وقد يعمل على تركيز الحلم ليحقق أبعد أمانيه.. “سأحلم حلماً يجعلها تلد سبعة توائم”، بمعنى أن الحلم يستجيب للإرادة، وأن الواقع يستجيب لإرادة الحلم.
ويحرص شقير على النأي بأحلام شخوصه عن العناصر التي تعمل، بكل جبروتها، على تلويث الحلم أو تبديده، وفي مقدمتها خطوات أقدام جنود الاحتلال على أرض المدينة المقدّسة وبلاطها، ورفض مشهد دورياتهم الاستفزازيّة، وإلغاء ضجيج طائراتهم، أو مرأى قطعان مستوطنيهم. فبوجود مثل تلك العناصر الباهظة على المشهد العام، يتمظهر الحلم كشيء معادِ للبشر، ويغدو كابوساً ضاغطاً على الناس. فالمرأة التي تلح عليها رغبة بأن تستلقي لدقائق على بلاط القدس العتيقة بالقرب من باب العمود، لم تتجرأ على تحقيق رغبتها.. “بسبب عيون المارّة وأقدام الجنود“.
وإذا كانت الفظاظة التي يفرضها وجود الاحتلال قادرة أحياناً على تلويث الحياة وإفسادها، فإن تحديها المباشر يفرض أحياناً على الكاتب لغة مباشرة حادّة تُخرج النّص من رهافة الحلم ورقّة الفنّ وسلاسة القصّ، من مثل: “يطلقون علينا النار، ونحن نغني وننزف الدماء ولا نموت، نعم لا نموت”؛ ” نريد وطناً حراً خالصاً من رجس الغزاة، نغسله بأيدينا من أقصاه إلى أقصاه، حتى لا يبقى لرجسهم الكريه من أثر”؛ “الأمهات اللواتي ولدن للتوّ أطفالاً ولدوا من رحم المأساة“!
لكن ثمّة إرادة واعية لبساطة التحدي، تصنع بدورها بساطة في الفن، أو أنه هو الذي يصنعها. نلمس ذلك، على سبيل المثال، في أقصوصة “الحاجز”، خاتمة المجموعة، والتي تمثّل نموذجاً للقصّة الموفّقة فنياً رغم انطوائها على خطاب وطني، هو في طبعه بالغ الحساسيّة وقابل لكسر القيمة الإبداعيّة أحياناً، أو شرخها على أقل تقدير. بيد أن تلك القيمة تتقدّم هنا ببساطة شديدة ودون أدنى قدر من المباشرة أو الافتعال، لنقرأ:
“
ذات يوم عند الحاجز العسكري، في الطريق من رام الله إلى القدس، انتظرنا، أنا وليلى، ثلاث ساعات:.***
“
ظلّت تحتفظ بمريولها المدرسي ذي اللونين الأبيض والأخضر لسبب ما.(ثقافات) أورهان باموق يبوح بأسرار الكتابة اختيار وترجمة: سارة حامد حواس بين سن السَّابعة …
ثقافات موقع عربي لنشر الآداب والفنون والفكر يهتم بالتوجه نحو ثقافة إيجابية تنويرية جديدة ..!