خاص- ثقافات
*أسامة غالي
في الحقولِ لا ينضجُ القمحُ بعد، لا ترى شجرةً على مقربةٍ من النّهرِ، لا ترى سوى كلابٍ سائبةٍ، وحارسٍ أعمى، يهشُ بعصاه ما ذرته الريح.ُ
النّهرُ أيضاً، غير صالحٍ، تماماً، لأحلامِ الصغارِ..
الكبارُ فرحون بتمدن القرى، برائحةِ الحرائقِ المنبعثة من مصانعَ الموت،ِ فرحون بعربةٍ حديثةٍ تغسلُ غبارَ الأرصفةِ…
1
“أسألُ بصوتٍ مرتفعٍ: ما ثمن موت شجرة؟”
شجوثا كماري
إلى: الشاعر حمدان طاهر المالكي
أيا طائر الشعرِ
كيفَ رأيتَ المدينةَ، والنّهرَ
أبناءها المتعبينَ
أسامركَ الدفءُ، دفءَ العيونِ الغريبةِ
أم سامرتكَ القصائدُ؟
***
ماذا رأيتَ؟
تحيّرَ في صوتِكَ النايُ
ما عادَ يهجسُ بالحزنِ
واعتزمَ الصمتَ..
كنتَ ترى شجرَ الأرضِ مُلقىً
وفي عينِه دمعةٌ ورصاصةْ؟!
2
“ما أشد علامات الجد على الوجوه!”
قسطنطين كفافيس
إلى: جمهور العظيم
وحيداً كعَادَته
يتجوَّلُ
ما بينَ مقهى (العزيزِ)
و سوقِ المدينةِ
يبصرُ في أوجهِ العابرينَ
شقاءَ السنينِ
وما خلّفَ العَبَثُ المُستَبِدّ
يخبئ سَأَمَ الحَيَاةِ بضحكتهِ
بَيْدَ أنَّ دُخّانَ السجارة
يصعدُ
مُحتَشِداً بالهمُومْ..
3
“حجرٌ كلٌّ ما حولنا حجرٌ”
درويش
إلى: علي العمراني
يا تُرَى
كَمْ مِن العُمُرِ نحتاجُ
كَمْ خَيْبةٍ
لعِتابِ الحَجَرْ!!
صَلدٌ،
غير مُكتَرثٍ
لأسى النّهرِ،
مُنتشياً
بانكسارتِه
وهطولِ الضَجَرْ
***
عبثاً
تُسمعُ الريحُ
للريحِ
أسئلةَ النّهرِ
أو خيبةً
أو أنينَ الشَجَرْ!!
4
“أيتها الطبيعة، ما الذي أقول لك، وبأي شيء أؤاخذك”
أبو حيّان التوحيديّ
إلى: الجنة صديقاً قبل كلّ شيء
يا صاحبيّ:
لمْ نَعُدْ قادرينَ على الحزنِ،
فالأرضُ ضاقتْ بنا
والسماءُ بعيدةْ..
وأحلامُنا تتساقطُ في أولِ العمرِ
مثل دُموعِ اليتامَى
أمَا حانَ وقتُ الرحيلِ إلى وطنٍ
خارجَ الأرضِ؟
علَّي أرى الفرحَ المستحيلَ،
أرى الشّمسَ جالسةً
تحتَ فَيء الغَمامِ
تَمسّدُ ريشَ الطُيُورِ
أمَا حانَ وقتُ الرحيلِ إلى وطنٍ
خارجَ الخوفِ؟
علَّي أرى الانقياء الأوائلَ
و الأبرياءَ القُدامى،
وأنسى تفاصيلَ
ما خلّفته الحياةُ، المآسي المديدةْ ..
5
“مرَّ القطارُ سريعاً كنتُ أنتظرُ”
درويش
كلّ هذا الضَّجِيجِ لمنْ
للقِطَارِ !
إلى أين يأخذُهم؟
كان ليلُ المحَطَّةِ مزدحماً بالجنودِ
يخوضون في اللَّغو
والرّيحُ مغبّرةٌ،
مِنْ نوافذِ هذا القِطَار الصغيرةِ
يرمون أحلامَهم
كبقايا السجارة
لا يعرفون مِنْ الحربِ إلا اسمها،
متعبون…
أيادٍ تودعهم من بعيدٍ
و هم يحملون الحقائبَ
مبتلةً بالدموع.
6
“أيكون أقصى الأرض لي سكناً “
الأخضر بن يوسف
إلى: أحمد معن
تسيرُ وَحدكَ في دروبِ
الليلِ لا قمرٌ يضيءُ خيالَكَ الممتدّ
مِنْ أقصى الجنونِ
إلى شمالِ الحُلمِ.
أيُةُ حكمةٍ تلكَ التي وضعتكَ في هذا الظّلامِ
وطالبتكَ بأنْ تعودَ!!
فلا تعدْ
وانسَ البلادَ،
فلا بلاد..
7
“لقد هبطَ الظلامُ على الشجرِ”
لوركا
هكذا، ودونَ أية مناسبةٍ
يغادرُ الفَيْءُ الشجرةَ،
الشجرةَ الوحيدةَ
تاركاً الفَأسَ والليلِ
…………….
…………….
الشجرةُ لمْ تقو بعدُ
على مقاومةِ الغبارِ
لمْ تقو بعدُ
على مقاومةِ حجارةِ صبيّ الغابةِ
لم تقو بعدُ، أيضاً،
على أقناعِ الموتِ:
إنها، ورغم كلّ هذا
تموتُ واقفةً!!