وحدة إنعاش الحُبّ

خاص- ثقافات

*د. عريب محمد عيد

ربّ مشاعر اعتراها الفتور مع تقادم الزّمن، وربّ مُلهياتٍ أبعدن صاحبها عمّن يهتمّ بهم ويحبّهم، ورُبّ مسافاتٍ تباعدت فتركت شغورًا بالمكان، وغدت عبورًا للزّمان وتسارعًا في أيّام العمر، خطّ مرورُها تجاعيدَ على وجه الذكريات الّتي باتت الغذاء الرّوحيّ الّذي يُقتات عليه؛ علّه يحفظُ داخلنا المتبقّي من الوجوه الّتي فارقناها فغدت ملامحها ضبابيّة، وصورها ألوانًا باهتة وكثافة حضورها فينا قليلة، حتّى أضحت المشاهد الّتي نستدعيها رماديّة الحسّ وباردة الأثر، وغاب عنها كثيرٌ ممّن كنّا نعدّهم أبطالًا لقصصنا ورموزًا أسطوريّة لخيالاتنا وفرسانًا لواقعنا.
وتكون هذه الغربة النّفسيّة أشدّ أثرًا وأعمقَ عندما تعبُرنا ونحن قريبون ماديّا ممّن نصنّفهم عشّاقا وأحبابًا وأقرباء وأصدقاء؛ فنكون بينهم ولكنّنا لسنا معهم وليسوا معنا، فتعترينا الوحدة ولو كنّا في جموع، ويجتاحنا الشّعور بالإهمال أو قلة الاحترام أو ضعة الاهتمام؛ فيتعاظم داخلنا الكبتُ والحاجة للتّنفيس والقرب والاستقرار العاطفيّ في تلابيب العائلة والزّوج والأحبّة.
وقد يكون ما سبق من الذّرائع وغيرها ما يدفع البعض لتقديم المسوّغات لفتور رابطة الحُبّ وانحلال حبله؛ لكن لا تقادم الوقت أو تباعد المكان أو الرّوتين أو الحياة الرّتيبة أو الملل أو مشاكل الحياة إلخ ما يغيّبُ الحُبّ فينا أو يجعل مشاعر الكُره والبغض والنّفور تحلّ مكانه.
فالضّاغط الموجّه والمبرمج للعاطفة اتجاه الآخر والأشياء الجميلة حولنا دومًا أنت، إذا ارتفعت وتيرة الحُبّ فيك وإقبالك عليه؛ فأنت منطلقٌ منك إلى الخارج الّذي تنفتح عليه لترتبط به وتحيا معه، وأنت به مقبلٌ على الحياة، فبحضورك الحُبّ يأتي وبغيابك كذلك؛ يحضر مع الّذين تأثّروا بك وكنت لهم المثال ومصدر الإلهام ومنبع الحُبّ ورافد الجمال، فبك تتلألأ تباشير الفرح لما تبعثُه فيهم من الأمل والرّضا والتّفاؤل والمحبّة وتنشره من الطّمأنينة والرّاحة والغبطة.
إنّه الحُبّ مصنعه داخلك، ورافده ومصبّه فيك، وبدؤه ومنتهاه إليك، وإدارته وانتقاء أفراده اختيارك، وسيل عاطفته ورقّته رأس مالك، ومُعدّاته جمال روحك وصفاء نيّتك وسموّ أخلاقك، ومحرّكه نبض قلبك والتّسامح مع ذاتك والرّضا عنها والثّقة بها والإيمان بموهبتك وقدرتك على العطاء والعمل والإنجاز، ومُليّن الحُبّ ومقوّيه قربك من الله وممارسة عباداتك، وتجاوزك عن الآخر والصّفح عنه، وتحسين روابطك مع عائلتك وذوي رحمك وأصدقائك وزملائك.
املأ نفسك بالسّلام الدّاخليّ، وغذّها بالفضائل وحثّها على الخير وأحبّ نفسك أولًا ثمّ الآخرين، ثمّ تنفّس الحياة برئتين يملأهما الحُبُّ.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *