نظمت جامعة بيت لحم، أول من أمس، وبالشراكة مع وزارة الثقافة، وتحت رعاية وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو، يوماً دراسياً شارك فيه نخبة من الأكاديميين، لمناسبة مئوية الشاعرة فدوى طوقان.
وافتتح بسيسو اليوم الدراسي، بحضور د.ميشيل صنصور النائب التنفيذي لرئيس الجامعة، ود.سعيد عياد رئيس دائرة اللغة العربية والإعلام في الجامعة، وبمشاركة نخبة من الأكاديميين تناولوا جوانب عدة حول أدبها، وسيرتها الذاتية، وتفردها على أكثر من صعيد، وذلك لمناسبة مئوية الشاعرة التي لقبها محمود درويش بـ”أم الشعر الفلسطيني”.
وتحدث بسيسو عن المشروع الاستراتيجي الذي أطلقته الوزارة للاحتفاء بمئويات رواد الثقافة والتنوير في فلسطين، وينطلق هذا العام بالاحتفاء بمئوية “سنديانة فلسطين” الشاعرة طوقان، والفلسفة من وراء هذا المشروع الذي يهدف للتأكيد على العمق الحضاري والثقافي للشعب الفلسطيني كرد على وعد بلفور المشؤوم، بجيل سبقته أجيال لا يمكن نسيانها وتجاهلها من المبدعين الفلسطينيين، ولدوا في ذات العام (1917)، وكرسوا حضور الثقافة كفعل حضاري، وكفعل مقاومة، قبل النكبة وبعدها، وقبل احتلال العام 1967 وبعده، وحتى يومنا هذا .. و”هذا لا يعني أنه قبل العام 1917، لم يكن هناك رواد فلسطينيون كبار أثروا الحياة الثقافية والمعرفية في الحقول المختلفة”.
وقال بسيسو: نريد أن نوظف المكان والزمان في دعم روايتنا الوطنية، بأننا كشعب فلسطين باقون على هذه الأرض، ولن نستسلم لكل سياسات العزل والقهر والاضطهاد التي مارسها ويمارسها الاحتلال، لافتاً إلى أن “طوقان تمثل حالة رمزية وملهمة ليس فقط لجيلها، ولكن للأجيال اللاحقة، فهي تمثل الإبداع والإرادة والتحدي، ودرساً في الألم والأمل”، فمن خلال “سيرتها، ندرك أن النجاح والتميز والريادة تتأتى من خلال الإصرار والعمل، فهي ثابرت لانتزاع هذا الحضور المميز، الذي أشاد فيه شعراء ونقاد فلسطين والوطن العربي، وحققت من خلاله حضوراً فلسطينياً وعربياً ودولياً”.
فيما أشار صنصور، إلى أن إحياء ذكرى مئوية طوقان هو إحياء لذكرى إحدى أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين .. وقال: مثل شعر طوقان أساساً قوياً للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع، وفي الوقت نفسه كانت فيما بعد على تماس مع منجزات الحضارة الأوروبية الحديثة، كما عكس شعر طوقان القهر والنكبات المتتالية في حياتها الشخصية كما في تاريخ الشعب الفلسطيني، لكن هذا المآسي كانت وراء إنتاجها لأروع دواوينها الشعرية كديوان “وحدي مع الأيام”.
واستذكر صنصور الشاعرة طوقان حين كان طفلاً في السابعة، حيث كانت في زيارة لمنزل جده أنطون لورينس في القدس للمشاركة في إحدى فعاليات صالونه الأدبي، حيث الشغف بالشعر والأدب والاهتمام بصقل الذوق العام وتبادل المعارف، حيث كان هذا الصالون وغيره فرصة للتلاقى وتأسيس ثقافة بديلة.
بدوره أكد عياد أن الاحتفاء بمئوية طوقان، يأتي لأكثر من سبب، أولها لكون شعرها وفكرها تخطى جغرافيا فلسطين، ولكونها عكست الإنسانية الفلسطينية أمام العالم فيما قدمته من إبداعات شعرية ونثرية، مشدداً على أن “الاحتفاء بمئويتها احتفاء بإنسانيتنا التي غيبت وسلبت منا دائماً، وتأكيد على أنه لم يتبق لنا في فلسطين إلى جدار الثقافة، وممنوع اختراقه، كما هو ممنوع اختراق الوعي الجمعي الفلسطيني، والكلمة الفلسطينية”.
وقدم د. زين العابدين العواودة مداخلة بعنوان “فدوى طوقان الشاعرة الفلسطينية العربية الرائدة: قراءة في فكرها الشعري والنقدي”، لافتاً إلى أن صاحبة “رحلة جبلية رحلة صعبة” مثلت شعبها خير تمثيل على ساحة وطنها في مواجهة الاحتلال، كما كانت سفيرة فوق العادة لشعبها في أنحاء مختلفة من العالم، وكانت شاعرة ناطقة بلسان شعبها ووطنها، لافتاً إلى أن إنتاجها الأدبي في عشرة دواوين شعرية، ومجموعتين جمعتا له، يعكس روحاً متفائلة وعذبة وتنبض بالحياة، ومنسجمة مع ذاتها ومعبرة عن هويتها الإنسانية وروحها الوطنية، وحضور المرأة الفلسطينية محلياً وعربياً وعالمياً.
وتحت عنوان “المفارقة الساخرة وأبعادها في خطاب فدوى طوقان الأدبي”، قدم د. زياد بني شمسة مداخلة سلط فيها الضوء على أبرز العلامات الاجتماعية في حياة الشاعرة وأثرها في ما احتوته أعمالها من مفارقات ساخرة، متطرقاً لدور الحياة الاجتماعية لطوقان في ذلك، وكيف تجلت هذه المفارقة في أعمالها الأدبية التي أخذت أكثر من شكل كغياب الإثبات والنفي، وجدلية الوجود والعدم، متحدثاً بشيء بالتفصيل عن مفارقة الميلاد والموت على المستويين الذاتي والجمعي في شعر وأدب طوقان.
د. مؤمن بدارين، رئيس منتدى القلم الثقافي في دائرة اللغة العربية بالجامعة، اشار في مداخلته الموسومة بـ”قراءة عابرة في سيرة فدوى طوقان الرحلة الأصعب”، بأن في سيرة طوقان المدونة في كتابين “رحلة جبلية رحلة صعبة”، و”الرحلة الصعبة”، تعكس ما اكتنف حياتها من صعوبات، ففي “الرحلة الأولى” تحدثت عن حياتها، وذاتها، وأسرتها، وأزماتها، وفيها “بوح”، وتعبير عن “عقد اجتماعية ومجتمعية، وقهر وظلم وسجن وحرمان تعرضت له”، أما في “الرحلة الأصعب” ففيها “بوح سياسي يتناسب والتغيرات التي طرأت على الشعب الفلسطيني بدءاً بنكسة حزيران، ثم بتشرين 1973، فمعاهدة كامب ديفيد 1978، فانتفاضة الحجارة، وأخيراً اتفاقية أوسلو”، كما أنها، ومن خلال هذه السيرة، أرّخت لقصائد بعينها من تأليفها، وكأنها قدمت مسوغات تلك القصائد.
واختتم اليوم الدراسي بمداخلة للدكتور معاذ اشتية حملت عنوان “النقد الاجتماعي والتربوي في سيرة طوقان الذاتية رحلة جبلية رحلة صعبة”، لافتاً إلى أن طوقان في سيرتها أكدت أنها صاحبة رؤية ثاقبة تحت عنوان ثلاثة هي: التنوير، والتثوير، والتغيير، وهي العناوين التي من خلالها يمكن تلخيص سيرة طوقان الذاتية، فهي شاعرة مقاومة، بالمفهوم الواسع للمقاومة الذي يتجاوز البعد السياسي، حيث أخذت إضافة إليه بعداً اجتماعياً ينزع الستار عن قضايا كانت تعد تابوهات في وقتها.
_________
*الأيام الفلسطينية