*يحيى بن الوليد
الظاهر أنه ليس كل ما يُنشر تحت مسمّى “مقال” أو “مقالات”، قابل لأن يدرج، وبالضرورة، ضمن نوع المقال الذي لا يخلو من نسق يمكن نعته بـ”النسق المقالي” الذي يتأكد من خلال مداخل ومخرجات… ومن خلال طرائق في التحليل والمقاربة والتوصيل والتلقي. وكما لا يمكن تلخيص وظيفة المقال في أشكال من النزال والتثقيف والتعليق… فقط، ذلك أن المقال بدوره يسهم في التنظير الأكاديمي وفي إطار من عمل الناقد ومهنة المؤرخ وأداء المفكر وتمثّـلات المثقف… إلخ. ولعل فكرة التنظير، في تشابكها المحتمل وحتى المحمود في أحيان مع الأشكال سالفة الذكر، هو ما يمكن استخلاصه من النقد الثقافي سواء في دوائره المعرفية والتصوّرية المخصوصة أو في سياقات تداوله وامتداداته داخل معارف وتخصصّات أخرى سبقت النقد الثقافي زمنياً أو تزامنت معه وعملت على الإفادة منه عبر التأثّر المتبادل. وفي هذا السياق يمكن الإحالة على الدراسات الثقافية ودراسات الجندر ودراسات التابع ونظرية الخطاب ما بعد الكولونيالي. وفي هذا السياق يمكن التأكيد على حضور المقال الذي هو قرين نوع من الانتظام ضمن العناصر التكوينية الأساسية لهذه المعارف والتخصّصات والتيارات.
وهناك، ومن الأسماء الوازنة ابتداءً، من يتحفظ على المقال، بل يشكّك في الإمكانات (المعرفية) التي يتيحها هذا الأخير في مجالات البحث والتنظير. وهذا في مقابل أسماء أخرى (وازنة بدورها) اعتمدت المقال عبر مساراتها الفكرية والثقافية… والأكاديمية. والمثال الدّال على الانتظام في المقال هو الأكاديمي الأميركي/ الفلسطيني الأبرز والأشهر إدوارد سعيد (1935 ــ 2003). لقد كان للمقال تأثيره في الارتقاء بهذا الأخير إلى مصاف الأسماء الأكاديمية والفكرية المؤثّرة في جهات العالم الأربع، وهذا إلى جانب سفره المكثف (وفي أثناء مرضه أيضاً) من أجل إلقاء المحاضرات في كبريات الجامعات العالمية، إضافة إلى أحاديثه في الراديو والتلفزيون. وهذه جوانب عادة ما لا نوليها أهميتها التي تتجاوز لوثة الترويج والتسويق نحو الإسهام في الإنتاج الأكاديمي لصاحبها وفي أدائه البارع لأدوار المثقف المعاصر النقدي والمستقل.
كتاب واحد ومقالات عديدة