عن الأمازيغ وبوتين وأبرهة وفي الجيران والتاريخ والمعرفة
أكتوبر 8, 2017
خاص- ثقافات
*كفاح جرار
سألني أحدهم بخبث، وهو يزعم أنه صديق أو هكذا يقدم نفسه، لماذا غلبت الموضوع العربي على الموضوع الوطني، وتتناول قضايا الأمة مجتمعة أكثر مما تتناول قضايا الشعوب مفصلة ومن باب الأولوية الشعب الجزائري؟.
أي هي الفرقة بوجه آخر أكثر براءة وسذاجة، أو هكذا يجملونها ويزينون قباحتها، ولسان حالي يقول، وهل تختلف مشاكلنا وهمومنا وتفترق أحلامنا عن إخوتنا هنا وهناك، وإن لم نعتبرهم إخوة، فالجغرافيا والتاريخ والثقافة وضعونا جميعا في سلة واحدة شئنا أم تذمرنا، وإن ظن الكوردي أنه يختلف عن زميله العربي، فهو غافل وواهم، وإن ظن العربي السني أنه يختلف عن جاره العربي الشيعي فهو أهبل ومعتوه، وإن حسب الأمازيغي المغربي أنه يختلف في كثير أو قليل عن جاره العربي الجزائري وجاره الإباضي عن جاره المالكي، فهو بدوره يعيش الوهم والخسران.
وكم شكَكت وشكّكت بمن يقيمون قطعا بين شمال إفريقية الأمازيغية قبل الفتح الإسلامي والجهة الثانية من الجغرافيا ممثلة بوادي النيل وبلاد الشام والحجاز، فهل كان هؤلاء الجيران يجهلون بعضهم البعض ولا مودة أو عداوة بينهم، وقد عرفنا أن القرطاجيين من الفينيق جاؤوا تجارا مسالمين وأقاموا مدنية حفظها التاريخ لهم، فهل كان أبناء صيدا وصور الغابرين أكثر قربا ورغبة في اكتشاف المغرب من أبناء الإسكندرية وممفيس وسيوة وجلق وإيلياء؟.
على الأقل كان بعض الأمازيغ إن لم نقل جلهم من النصارى، وهؤلاء يعرفون ما كان في مكة يوم أتاها الأشرم غازيا مدمرا، فكانت حادثة الفيل التي أكبرت العرب ورفعت من شأنهم في أعين جيرانهم، فهل يعقل أن أهل هذه البلاد لم يسمعوا لما وقع للحبشي وهم الأقرب والأكثر مودة ورحمة؟.
لولا حادثة الفيل لظلوا يتطاولون على العرب، وبخاصة الفرس والروم، لكن البيت الذي حماه ربه، حفظ قريشا معه، فصار الناس يعرفون للمكيين شرفهم ومقدارهم ومنزلتهم، وهؤلاء التجار الذين شقوا الأرض شرقا وغربا، هل يعقل أنهم لم يصلوا إلى هذه البقاع، أو على الأقل التقوا بجيرانهم الأمازيغ في مصر القبطية التي كان يرغبها الجميع؟.
المدهش هنا أن المؤرخين تجاهلوا هذه الحادثة ولم يكتبوا عنها كما تستحق، ولم يتناولوها بالتحليل والنقد، كما جرت عليه عادتهم في البحث، وكأني بهم أرادوا أن يقولوا تبا لكم ولفيلكم ولتاريخكم، فالتشويه ما زال قائما وبأيدينا، وما يدهش أكثر أننا جاريناهم في تجاههم التاريخي لتاريخينا، فأي تفسير لذلك؟.
هل يختلف الأمازيغي بمختلف أعراقه وصنوفه عن العربي بكافة أعراقه وصنوفه، بل هل يختلف اتلحضري عن الريفي عن البدوي إلا في التصرف والسلوك، وإن صمتوا جميعا فليس بإمكانك معرفتهم وإن اجتهدت واستعنت بكل علماء الأجناس والإثنيات.
ألا يدهشكم مثلا كيف حمل بوتين السيف على داعش الذي هو من صناعتهم، وداعش هذا لم يقتل روسيا واحدا، فحولوا مجرى الأحداث من شعب طالب بديمقراطية وحرية إلى حرب على الإرهاب، إسرائيل غير معنية بها، بل معنية كدولة تحارب الإرهاب.
أليس هو علم الجهل بكل وسائله وأبجدياته وطرائقه، أن تصبح هبة شعبية مطالبها الديمقراطية والعدالة والحرية، مجرد حرب على إرهاب داعشي وحالشي وبأسماء أخرى لن يعجزهم توصيفها وتلميعها وتلبيسها اللباس الذي يليق والذي لا يليق، وقد صارت الانقلابات شرعية والشرعية مشكوك فيها، وخاض الجميع أو معظمهم في وحل الردة والعنف وشرعنة القتل، فباتوا مع السيوف وأصبحوا يلعنون الشيطان، وهل الشيطان إلا من يقبع في جماجمهم.
من مفارقاتنا المدهشة أننا نجتمع على الباطل ونفترق على الحق، والعالم من حولنا يجتمع على الحق ويفترق على الباطل، فهل أصابتنا لعنة أجداد أعطونا كل شيء ولم نقدم لأنفسنا قبل غيرنا شيئا يستحق الذكر والإشادة، وإلا لماذا نشيد جميعا دون استثناء بتاريخ نسميه عريقا وتليدا ومنيرا، ونحن أعلم الناس باستنكافنا عن السير وفق معالم ذلك التاريخ المتباهى به؟.
من حق الكورد أن يكون لهم دولة وطنية وقومية تجمعهم، ولكن ذلك الحق يصبح عدوانا وظلما إن وقف إلى جانبه ودعمه أول وأعظم من سرق حق غيره وبنى عليه دولة أشبه ما تكون بمعسكر قتالي كبير، كل من فيه يمتلك بندقية وراء باب خزانة ثيابه.
عندما يدعمك الشيطان ويؤيدك ويناصرك فاعلم أنك على باطل وإن كنت على حق، وإن مدحك الطاغية الآثم فاعلم أنك تشبهه وتروق له، ويجد فيك نصيرا وحليفا، فلا تفرح بتصفيق الناس لك إن كانوا مجموعة من اللصوص والغوغاء والأوغاد.
لكم أن تتخيلوا أن الذين حرقوا وقطعوا وفتتوا أطفال فلسطين يحاربون الإرهاب، وهم اليوم قسموا المسجد الأقصى وليس فينا حياة.
فهل بهذه البساطة تلغى الشعوب؟.
ثم لا تطلب الخير من غير نفسك، لأنك لن تجده، وإن حصل وطلبت فلن تجد إلا صفعة أو أكثر لن تعيدك إلى رشدك، وإنما سيستعبدونك من جديد.