*عمار فارس
يُثير استخدام مفهوم الهيرمينوطيقا في الفلسفة مسألة تأصيل المفاهيم والمصطلحات في الخطاب الفلسفيّ العربيّ بسبب تداخل توظيف المفهوم مع مصطلحات (تأويل، تفسير، شرح، فهم، ترجمة). فضّلَ مثلاً عبد الملك مُرتاض استخدام (تأويل) لثقل لفظة هيرمينوطيقا في العربيّة وكون العرب عرفت التأويل وتعاملت معه. وسيقدم نصر حامد أبو زيد شرحاً وافياً للفرق بين التفسير و الهيرمينوطيقا. قبلهم كان غادامير يقول بتعذّر ترجمة المصطلح، الأمر الذي خلق “تشويشا دلاليّا” وفقاً لكيحل مصطفى.
من هنا يُمكن البدء بقراءة عمل الباحث الأردنيّ د. محمد عبدالله الطوالبة الصادر حديثاً عن الآن ناشرون وموزعون بعنوان المنظور التأويليّ في أعمال محمد أركون والذي جرى إشهاره في مؤسسة عبد الحميد شومان الأربعاء، إذ سينتظر القارئ النصف الثاني من الكتاب (صفحة 118) ليُعاين استخدامات مفهوم الهيرمينوطيقا أو التأويل. ولكن دون الخوض كفايةً في إشكاليّات المفهوم وجذوره، إذ كان الطوالبة مُنشغلاً في بدايات الكتاب بالتوجهات والعناصر الفكريّة ومنهجيّات محمد أركون. وفيما تبقى من الكتاب لنقد المشروع الأركوني وتفصيلاته.
نقد الحداثة بما قبل الحداثة
في ورقته القصيرة التي شارك فيها بحفل الإشهار، يلفت الأكاديميّ والباحث الأردنيّ زهير توفيق إلى المرجعيّات التي اعتمد عليها الطوالبة في كتابه لنقد المشروع الأركونيّ. يقول توفيق: إنَّ صاحب الكتاب اعتمد على ما قدّمه المغربيّ طه عبد الرحمن الذي ينتصر لعلم الكلام والصوفيّة. وبرأي توفيق فإنَّ هذا النهج يُشكّلُ تناقضاً مع مشروع أركون نفسه إذ “لا يجوز أن ننقد الحداثة بما هو قبل الحداثة، حيث إنَّ نقد حداثة محمد أركون تكون بمعطيات الحداثة نفسها”.
استعان الطوالبة في كتابه بالكثير من المراجع بينها: هل هناك عقل عربي؟ (هشام غصيب) و ونحن والتراث (محمّد عابد الجابريّ) واستخدم مفاهيمهما في تناوله للمشروع الأركونيّ. ينوّه توفيق في ورقته إلى ما يُسمّيه “لبساً” في استخدام مفهومَي العقل العربي (الجابري) و العقل الإسلامي (أركون)، إذ يرى بإنَّ المقصود بما ذهب إليه الجابريّ أو أركون هو المنظومة الفكريّة لهذا العقل (إسلاميّ أو عربيّ) وهو لا يعني العقل بالمفهوم الاستشراقيّ الذي اعتمد عليه الباحث في عمله.
ورغم رأي توفيق إلّا أنَّ قراءةً في كتاب الطوالبة تظهر تفريقه بين “منتجات العقل التي هي تالياً نصوص وهي ما هو مُتاح للباحث دراسته وبين الآليّات التي يتحدّث عنها أركون والتي هي استنتاج ضمنيّ لا يُمكن البناء عليه”. كما ويستعين الطوالبة هنا برأي هشام غصيب في مفهوم العقل العربي والإسلاميّ، متفقاً معه على أنَّ “روح العالم” لهيغل، قلّصه الجابريّ إلى “روح العرب” وقلصّه أركون إلى “روح المُسلمين”.
توجهت ورقة توفيق إلى عمل الطوالبة، في حين انشغلت ورقة أستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنيّة الدكتور جورج الفار بمحمد أركون ومشروعه على حساب الكتاب؛ ولعلّ أبرز ما أشار له الفار هو ما يُسميّه تجنّب أركون نقد العقل الإسلاميّ مباشرةً وتخوفه في كثير من الأحيان بالمساس بالحساسيّة الإسلاميّة من خلال دعوته إلى “علمانيّة ناعمة” الأمر الذي حال دون أن يصل أركون إلى الجوهر المادي للظاهرة الإسلاميّة أو الدينيّة. يختم الفار ورقته: هل كان أركون مارتن لوثر إسلاميّا؟ ليجيب: لا، بل كان لاهوتيّاً إسلاميّاً.
خلاصة أركون