خاص- ثقافات
محيي الدين كانون*
تَرَكَتْ رِسَالتها تَتَرقرق فَوْقَ الجَدْول المنْسابِ…
في حديقة بيْتِنَا العَتيقِ …
قَال لِي الجَدْولُ ْالحيْرَانُ …
جاءَت حبيبتك مع الغَسْقِ لِسببٍ لَمْ أفهمْهُ …
وراحتْ كعصفورةٍ بللْها المّاءِ …
2
لم أستطعْ أنْ أفُكَّ رسالتَها …
قَالَ الجَدْولُ…
رسائلُ بلا كَلِمّاتٍ بلا حروفٍ لا أعرف كيف اتهَجْأهّا ..
لكنّي شَعْرتُ أنّها تعْنيكَ بِرسَالتها…
3
في عَامي الأوّلُ الجميلُ لا أفْقَهُ برسائلِ الحُبِّ …
كنْتُ فَقَطْ اتهجْى أنفاس الحُبِّ …
أحسّها لا أفْقَها….
وانْكَمِشُ قلقا كزْهرةِ عَبّاد الشمس عِنْدَ الغُروبِ ..
كان سُوَر مدْرستنا عالياً…
لا وَقتَ للحُبِّ …
رُغْمَ أنّه أهّمُ درساً في الحياةِ كلِّها ..
يقف دونهٌ عسسُ ذوي شوارب طويلة مفتولة …
قواعدُ هُناكَ حيثُ لا بوْحَ ، لا تعبيرَ…
دعْ القلبَ المسْكينُ يدقُّ يدقُّ حتّى يُسْمَعُ كالطبْلِ…
يَدُوخ أو يُغْمَى علية …
يموت أو يتآكلُ أو يَهْمي..
حالةٌ مرضيّةٌ …
إذا أشتدّ حَاله …
إمّا الكيْ أو الجُنُونْ …
4
عليك أن تقرأ رسائل الغرام وحْدَكَ …
عبر حفيف أغصان الأشجار في كُلِّ فُصُول السنةِ…
وهمس العصافير المتناثرة فوق شجرة بيتنا العتيق …
عبر النُّجُوم المطرزة المُتلالئة في َسماء ليالينا …
نسمات الربيع وهفيفه على هذا الجدول المنْسابِ الرقيق…
5
وعند عتَبَاتِ الرّبيع حينَ ارتعش الماء المترقرق البهيج بضوء الشمس الحُلْوَةِ…
باح الجدْولُ الحنُون بالسِّرِ أخيراً..
وأومأ إلىَّ بِفَكِ الرسالة ..
التي تجهلها الأسوار العالية ّ…
ولا تفقها المدارس …
وتمرق رُغْمَ شخير العسسةِ و شواربهم البائسة …
رقْرقَ ….
وَقَال …
حبيبتك جلستْ هُنَاك ساعاتٍ ساعاتٍ فوق تلْكَ الصخرةِ المطلة على السوسنة الريّانةِ …
ثُمَّ راحت مع الغسق في الأفق البعيد …
دون كّلمةٍ … و دون حرفٍ …
و تركت لك هناك زهرة التوليب ريّانة …….
* شاعر وروائي من ليبيا .